الرئيسية » عالم الثقافة والفنون

القاهرة - سلوى اللوباني

صدرت الترجمة الفرنسية لديوان الشاعر أحمد الشهاوي "باب واحد ومنازل" عن دار "لال" الفرنسية، بترجمة الأستاذ في جامعة تولوز الفرنسية الشاعر الدكتور محمد ميلود غرافي، وكانت الطبعة العربية من الديوان، الذي يقع في 84 صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن ستين قصيدة صدرت في القاهرة عن الدار المصرية اللبنانية العام 2009. وفي تقديمه للترجمة يقول الأستاذ في جامعة تولوز الفرنسية الشاعر والدكتور محمد ميلود غرافي "أن نقرأ شعرَ الشهاوي معناهُ أن ندخلَ معبد الشعر من دون طقوس. أن نوقِظ َكل حواسّنا، ونعرّضها إلى تمرين جديد، روحيٍّ بشكل عميق. فنشمّ فيه رائحة الثمرِ المحرّم، ونذوق فيه رغيفَ الصوفيِّ المتقادمَ، ونسمع فيه السكونَ المتناغمَ، ونتصفّحَ فيه الكتبَ المقدَّسةَ، ونرى فيه أبوابا عدة و.. منزلا واحدًا: منزلَ الشعرِ. ولا بأسَ (أو ربما هذا أفضلُ) إن حلّت أعضاؤنا الحسّاسةُ بعضُها مكان بعضٍ: "لساني ينظر/ عيناي تكتبان/ أذناي تريان". يسافر بنا أحمد الشهاوي حتى بدء هذا الكون، حتى باب الخطيئة الأولى، مرورًا بالقصص النبوي، ومختلف الأمكنة والحالات الصوفية، من دون أن ينتشلنا ولو لحظة واحدة من أوجاع اليومي فينا. كل شيء تمّ إعداده كي تظهر الأنا وعشقُها المنكسر، وعزلتها، وعدم رضاها، وكلامُها الذي بلا معنى، وسكونها الأقوى معنىً وخيبتها... في متوالية دلالية نرى فيها أنفسنا بشكل حقيقي. (...). وعلى غرار زاهد يقنع بشظف العيش وهو يبتغي الوصول إلى الحقّ، فإن الشهاوي يلج بنا إلى اللاقناعة، والبحث الدائم عن المعنى الخفيّ عبر مفردات مألوفة. ففي العشق، اللغة وحدها هي الكائن الأبدي: "تُولَدُ لُغَةٌ تَبْقَى/ تَدَلُّ عَلَى اتَّحَادِهِمَا". إنها تقرأ بهذا المعنى حين تريد لنفسها أن تكون شيئًا آخر غيرها. شيئًا آخر غير المفردات والصور المعهودة. إنها أبديةٌ، ونبعُ الإشراق الشعريّ حين يتمّ الإمساك بها في جانبها الخفيِّ واللامرئيّ. الصمت جزء في الآن نفسه من التعبير الشعريّ، والبحث عن الحقيقة المتعالية. إنه في الآن نفسه منبع المعرفة (أنا المتكلم الذي لا يعرف/ الصامت الذي يعرف)، وأحد وعود الشاعر المقدسة تجاه محبوبته، ذاته المُختارة (أعدك بالصمت/ لا بالكلام). الصمت كمصدر للتأمّل هو تحدٍّ للغة. إذ يبدو أكثر تعبيرًا وأكثر دلالة منها: (صَمْتي اشْتَهَاك / لأَنَّ الكَلاَمَ عَاجِزٌ). وفي وسط المعنى العميق والخفي نجد النقطة. لا قصيدة من دون نقطة مركزية تخلق العلاقة بين الظاهر والخفي، "بين الأرض والسماء، بين المقدس والمدنس"، كما يقول الشهاوي في موضع آخر. النقطة عند الصوفي هي الحقّ. وعند الشاعر هي جوهر العملية الشعرية. الحدْس يحل محلّ العين. كل شيء يبدأ من النقطة المركزية، وكل شيء يؤدي إليها. لذلك فإن عناوين عدة في مجموعته الشعرية تلح بوضوح عن هذا العنصر الثابت في الرؤية الشعرية عند الشهاوي (جزيرة الكون، سرّة الدنيا، بيضة كونية...) من دون أن يعني ذلك أن العنوان يحيل على محتوى القصيدة. إن عناوين الشهاوي تبدو دائمًا في قطيعة مع القصيدة. ولكي يتم الإمساك بالعلاقة بين العنوان وباقي النص، يجب أن نأخذ بنصيحة الشاعر: "اذهب إلى ما وراء الشيء". ويقول الأستاذ في جامعة تولوز الفرنسية الشاعر والمترجم الدكتور محمد ميلود غرافي إن الشاعر أحمد الشهاوي ينهل من التراث الصوفي العربي - الإسلامي. فالحلاج يجعل من النقطة العلامة الثابتة التي تؤدي إلى الحق والمعرفة الإلهية: "النقطة أصل كل خط، والخط كله نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف فهو متحرك عن النقطة بعينها" (...). والحديث عن النقطة يجرّ إلى الحديث عن الحرف مثلما يرد عند الحلاج. أي كعلامة تحيل في الآن نفسه على الظاهر والباطن. هكذا يمجّد الشهاوي الحرف على طريقته الخاصة. فهو دائم البحث عن "حروف سريّة" (الديوان) أهمها حروف تلك التي يهيم بها حبّا. تمجيد الكائن المقدَّس (محبوبته) يتمّ قبل كل شيء عبر المكوّنات الخطية لاسمها، أعني الحروف، تلك التي يزعم أنه تلقاها في ما يشبه الوحي، لكنها ظلت "تنام وحيدة في السطر" (الديوان). هذا الانفصام بينه وبين حروفه المقدّسة يجعل معرفة الشاعر لنفسه بنفسه أمرًا مستحيلاً. لِمَاذَا أَفْشَلُ / كُلَّمَا حَاوَلْتُ أَنْ أَعْرِفَ الوَجْهَ الآَخَرَ لاسْمِي / ألأَنَّ الحُرُوفَ التي أُحِبُّ تَنَامُ "وَحِيدَةً / في السَّطْرِ". والمترجم محمد ميلود غرافي هو شاعر وروائي، وباحث مغربي، مقيم بفرنسا. أستاذ جامعي، دكتوراه من جامعة السوربون في السيميائيات وعلوم التواصل، ومدير سابق لقسم اللغة العربية في جامعة تولوز الفرنسية، ومنظم يوم الشعر العربي فيها بين 2001 و2006. وصدر له: حرائق العشق (شعر)، أمضغها علكا أسود (شعر)، لم أر الشلالات من أعلى (رواية). وله مقالات عدة بالعربية والفرنسية، بخاصة في مجال تحليل الخطاب والنقد الأدبي. وهو عضو في لجنة مباراة الكفاءة في اللغة العربية في فرنسا. وشارك في ملتقيات شعرية دولية عدة. وقد ترجم الكثير من النصوص الشعرية لشعراء أجانب إلى العربية. وعن ديوان "باب واحد ومنازل" لأحمد الشهاوي كتب الشاعر مصطفى عبادة إن "باب واحد ومنازل"، بقصائده القصيرة، ينطوي على مجموعة من الظواهر الموضوعية والتشكيلية، التي تشكل إستراتيجيته ومنها موضوعيًّا هيمنة عدم اليقين البادي في كثرة الأسئلة، وتكرار الحالة بطرقٍ وصياغاتٍ مختلفةٍ، برغم حالة المثالية المبثوثة في القصائد: "في انتظار معجزةٍ من إلهٍ/ يخايلُهُ في المنام". وهي مثالية تلقِّي العالم الموضوع الخارجي، في حالة من الهدوء والتأمل، وعدم الاشتباك الآني الذي يحوِّل القصيدة إلى منشورٍ نفسيٍّ ضد الآخر، وهو ما جعل الجملة الشعرية تتخلَّص من إغواء البلاغة والتداعي اللغوي، ويخضعها لحالة من الفحص والفرز، وبالتالي الإبقاء على أثر اللحظات والمعارك، لا اللحظات والمعارك نفسها، التي تلتصق بالذات، وتشكل لها همًّا ممتدًّا، فالعالم الذي تئنُّ الذات تحت وقع معاركه لا يستحق الاشتباك، بقدر ما ينفك لغزه بالتعالي والتأنِّي والتفكير، وتمرير كل لحظات الأسى والفقد على مرشَّحٍ عقليٍّ وجدانيٍّ، لتشكِّل الرؤية الذاتية للعالم محور هذه القصائد، حتى أن كل شىء يدخل إلى الذات هو خارج منها كما في الإهداء: نوال عيسى. وهي الرؤية الأصدق والأقرب إلى الحدْس الإنساني والانفعال البشري. على أن العزلة التى تفرضها المثاليةُ في رؤية العالم، أدت إلى اغترابٍ وجوديٍّ، كثفته كثرة الأسئلة الاستنكارية كما في: "ما الجحيم" (ص5) أو: "أصير ينبوعًا" (ص36)، وبعض عناوين القصائد: "قلب لكلابٍ"، و"مستثناةٌ بي"، و"برهاني"، "هذه سبيلي"، "تأويل رؤياي"، كل شىء مردود في حالة الاغتراب إلى الذات هي ما ترى، وهي التي تحكم معيار الصدق والوجد، باختصار إن الذاتَ المغتربةَ ترى نفسها مركز الأحداث منها تخرج وإليها تعود، فتخلق عالمًا متكاملاً. ويكتب الشاعر والروائي صبحي موسى يمكننا القول إننا أمام قصيدة واحدة، ذات مقاطع عدة، وليس بينها فواصل، أو مسافات في الزمن، لكنها أقرب إلى الفيوضات التي تغلب على صاحبها فلا يملك إلا كتابتها أو الحديث بها، ولأنها لا تخضع إلى المنطق بقدر ما تخضع إلى قوة الروح التي هيمنت على صاحبها، فإننا أنفسنا أمام نوع جديد من الطواسين، حيث اللغة المحملة بالإشارة، والكتابة المشحونة بالوهج، والرغبة المخلصة في مخاطبة المحب وإعادة التواصل معه، ومن ثم فتوظيف الموروث ليس إدراكًا من المحب بممتلكاته، لكنه تجرد من العلائق الواضحة والوصول إلى اللغة الحقة، تلك التي تبلبلت ألسن الناس بها، وتفرقوا شيعًا وجماعات، لكن الخلوص في الرغبة للتوحد مع الكلي الغائب خلف آلاف من الحجب والستور تنفي عن اللغة منطقيتها، وتخلق لها وظيفة أعلى، وهي الحضور المماثل لفكرة الحلول التي يريدها المحب. المنازل هي المسالك، والمحبوب هو الباب الواحد، هكذا يطرح الشهاوي في تجربته، بينما العناوين التي توزعت على ضفاف التجربة ليست سوى المدارج التي يرتقيها المحب في الوصول إلى محبوبه، وهي في مجملها كبقية عناصر النص لا تقدم إجابة بقدر ما تطرح حيرة أو سؤالاً بحجم تجربة، إذ لا تفسر المقاطع، ولا تجيب عن الشكوك، أو حتى تمثل اكتمالاً لدائرية النص، لكنها تصنع توازياً مع التجربة ككل، وكأننا أمام نصين أحدهما قابل للقراءة والتأويل، والآخر ليس إلا علامات لا يهتدي بها القارئ، ولكنها تحيل المحبوب إلى ما هو مدون في اللوح المسطور. ويكتب الناقد الدكتور أحمد الصغير المراغي "من السمات الأسلوبية المهمة في هذا الديوان - في ظني - تعدد الخطابات الشعرية داخل نص الشهاوي، فيتجلى الخطاب الصوفي العرفاني، الخطاب القرآني، والتوراتي، والإنجيلي، والخطاب النسوي، الذي يرتكز على استدعاء المعشوقة الأنثى بوصفها رمزًا للذات العليا عند كبار المتصوفة عمومًا والشهاوي خصوصًا، ومن ثم فقد تنوعت نصوص ديوان (باب واحد ومنازل) ما بين القصائد القصيرة والطويلة، كما جاءت معبرة عن التجربة الشعرية الجديدة لدى الشهاوي، وكأنه يصوغ عالمًا شعريًا مغايرًا للعوالم السابقة التي قام بصياغتها". ومن قصائد الديوان: مَا الجَحِيمُ؟ مَا الجَحِيمُ؟ سَأَلْتُ أَنْ تُحِبَّ وَلاَ صَدَى، أَنْ تَسْألَ وَلاَ جَوَابَ، أَنْ تَكْتُبَ وَلاَ قَارِئَ، أَنْ تَنَامَ وَلاَ أَحَدَ في الحُلُمِ، أَنْ تَبْتَهِلَ وَلاَ إلَهَ، أَنْ تَحْمِلَ مِفْتَاحًا وَلاَ بَيْتَ، أَنْ تَفْتَحَ كَفَّكَ فَلاَ تَجدَ امْرَأَةً تَقْرَأُ· تَأُوِيلُ الطَّيْرِ لِمَاذَا أَفْشَلُ كُلَّمَا حَاوَلْتُ أَنْ أَعْرِفَ الوَجْهَ الآَخَرَ لاسْمِي ألأَنَّ الحُرُوفَ التي أُحِبّ ُتَنَامُ وَحِيدَةً في السَّطْرِ· بَابُ الوَهْمِ كلُّ امْرَأَةٍ مَنَحَتْ قَلْبَهَا لِشَاعِرٍ تَنْتَظِرُ أَنْ تَرَى صُوَرتَها في القَصِيدَةِ وَلِهَذَا تَتَعَذَّبُ الأَرْضُ· وَمَا بَيْنَهُمَا أَعِدُكِ بِالصَّمْتِ لاَ بِالكَلاَمِ· أَعِدُكِ بيلاَ بِظِلِّي· أَعُدِكِ بِحَرْفي لاَ بِمَا أَنْطِقُ. أَعِدُكِ بِوَجْهِي لاَ بِمِرْآَتي· أَعِدُكِ بِخَجَلِي لاَ بِزَبَدِ انْفِعَالي، فَلاَ تعِدِيني بِمَا لا تَمْلِكِين· طَحِينٌ ضَائِعٌ أَمُوتُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَحْدِي وَأَنْتِ في سَرِيرِكِ تَسْرُدِيِنَ تَارِيخًا، أو تَحْرِقِينَ مَا مَضَى، أَوْتُحْيينَ مَيْتًا في الذَاكِرَة، هل تَعْرِفِينَ مَا مَعْنَى أَنْ أَشمَّ قَمْحَكِ دُونَ أَنْ أَرَاني في رَغِيفِك؟

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

المغرب يتوج بجائزة اللغة العربية تقديراً لجهوده في خدمة…
سارة السهيل ترعى حفل إشهار "أنشودة الخلود" وتؤكد أن…
الملك تشارلز والبابا ليو أول صلاة مشتركة منذ خمسة…
تعامد الشمس على معابد أبو سمبل ظاهرة فلكية تجسد…
سرقة متحف اللوفر في باريس سبع دقائق هزّت فرنسا…

اخر الاخبار

المغرب يعلن 31 أكتوبر عطلة وطنية بعد دعم مجلس…
زيلينسكي يحث الولايات المتحدة على البقاء منفتحة لتزويد أوكرانيا…
القسام تعلن العثور على جثة جندي إسرائيلي في غزة…
غوتيريش يدعو لوقف فوري للعنف في السودان ويحث الطرفين…

فن وموسيقى

آسر ياسين يتحدث عن بداياته في الفن والمعاناة التي…
آمال ماهر تكشف أسرار غيابها وترد على شائعات زواجها…
أحمد مالك أول مصري يفوز بجائزة أفضل ممثل في…
وثيقة زواج مزعومة لمنة شلبي تثير الجدل ومصدر مقرب…

أخبار النجوم

أحمد عز يُوجه رسالة قوية لمنتقدي حفل إفتتاح المتحف…
ياسمين عبد العزيز وشيرين رضا معاً للمرة الأولى في…
النجمان تامر حسني وأحمد سعد للمرة الأولى في حفلاً…
شريهان تكشف تفاصيل مشاركتها في إفتتاح المتحف المصري

رياضة

هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد
محمد زيدان يعتبر هجوم الإعلام الإنجليزي على محمد صلاح…
لامين يامال يقترب من تحطيم رقم قياسي لمبابي مع…
آرني سلوت يشيد بمحمد صلاح بعد تألقه في فوز…

صحة وتغذية

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
ستة مشروبات طبيعية لتعزيز صحة الدماغ والذاكرة
يونيسف تؤكد حاجة أكثر من مليون طفل في غزة…
أدوية شائعة قد تسبب نقصاً في الفيتامينات والمعادن وتؤثر…

الأخبار الأكثر قراءة

المغرب يبدي اهتمامه بإنشاء قاعدة بيانات رقمية للمعالم التاريخية
التحقيقات تكشف تفاصيل جديدة في واقعة اختفاء أسورة الملك…
ندوة أدبية حول كتاب "فحوى التأويل" للكاتب علي القيسي…
الحرب في غزة تحجز موقعها في جوائز إيمي 2025…
النكهات المغربية تعبق أجواء باريس في مهرجان الطهي العالمي