الرئيسية » بأقلامهم
عبد المجيد طعام

بقلم : عبد المجيد طعام

أصبح لا يستجيب إلا لمن يناديه "نانسي" ،كان يحس بشيء ما يسكن دواخله،يدفعه بقوة نحو الأنوثة .لم يهتم والداه بالطفل الأنثى،أرجآ إحساساته و تحولاته الأنثوية إلى أجل غير مسمى ، لكن الشعور بالحرج بدأ يتعاظم عندما أدرك أفراد الأسرة أنه تخلى عن اسمه " أنور " و تشبث ب " نانسي".
قضى نانسي طفولة صعبة..تداول على اغتصابه إخوته و أبناء أعمامه و عماته و أبناء أخواله و خالاته..كلهم وجدوا في جسده الغض المؤنث الفرصة لممارسة أقسى ما يمكن أن ينتجه الخيال الشبقي..كان ينفرد به أولاد الحارة كذلك يمارسون عليه عنفهم الجنسي ..لم يكن يفهم ما يقع له كان يظن أنه مخلوق من أجل خدمة غرائز الآخرين أو هو هبة الله لعباده من أجل الإشباع الجنسي ...لم يمد أحد يد العون لنانسي ..اشترك الجميع في أن يحولوا جسده الأنثوي إلى وعاء يتدفق فيه شلال رغباتهم الشقية.
 صيغ " نانسي" كما أراد الآخرون أن يكون ... كل واحد كان يرى فيه مثال الزوجة غير الممكنة الوجود ، الزوجة المستعدة كي تسافر معك بعيدا في اقتناص اللذة .كلما اشتد عوده وفاضت فيه الأنوثة أزداد الطلب عليه إلى أن تحول إلى علامة تجارية نادرة تحتاج إلى حماية مقربة لهذا نصب مفتول العضلات نفسه وصيا عليه...تغيرت حياته نحو الأصعب ،أصبح يباع كل ليلة للذي يدفع أكثر .لازال "نانسي" يتذكر تلك الليلة التي أجلسه مفتول العضلات وسط حشد من الذكور ، ألبسه زيا نسائيا و أجبره على وضع الزينة على وجهه،و قدمه إلى الحشد الذكوري كعروس عذراء ،ارتفع صوت مفتول العضلات إيذانا بافتتاح موسم الزواج :" أمامكم أيها الحضور أجمل مخلوق وهبه الله لنا ...من يريد أن  يتزوجه لليلة واحدة ،زواجا شرعيا ..يكون له حق التمتع به ... لليلة واحدة فقط ... عندما يصيح الديك في الصباح لا بد من إعلان الطلاق .. نانسي المخلوق الفاتن  يكون من حق من يدفع أغلى مهر... أعلن الآن عن افتتاح المزاد العلني..."
ليال طوال قضاها نانسي في حضن أزواج ، لا زال يلتقي بهم بعد مرور ما يناهز أربعين سنة ،لازال يذكر أسماءهم و أعمارهم لا زال يحمل في ذاكرته الجريحة صور ساديتهم القاتلة.أولائك الذين تزوجوه لليلة واحدة كبروا و تغيروا،منهم من تزوج و أنجب أطفالا و منهم من هاجر إلى الخارج و منهم من حصل على وظيفة عمومية و منهم من اشتغل في الأمن و منهم من اشتغل بمساجد المدينة يؤم الناس و يكلمهم عن الفضيلة... أحس نانسي أن الحياة تغيرت في الحي ..طبعا لم يعد يباع في سوق النخاسة ربما لأن العمر تقدم به فاختفت نضارة الجسد التي كانت تثير الغريزة أو ربما لأن شباب الحي تغيروا فعلا حيث أصبحوا أكثر إيمانا و أكثر انشغالا بأمور الدين..لكنهم لم يعودوا يطيقون النظر في وجه نانسي لا يبادلونه التحية، عيونهم تتقاطر شرا كلما صادفوه في طريقهم، كل واحد منهم أصبح يتحين فرصة الظفر بحسنات النهي عن المنكر .
"نانسي " هو الآخر و في غفلة من الآخرين تغير كثيرا ، أطلق لحيته و ألزم بيته يؤدي صلاته في خشوع، أحيانا كانت تنتصر الأنثى الموجودة في دواخله و تدفعه لارتداء النقاب الشرعي قبل كل صلاة ..رغم صدق إيمانه لم يكن يشعر بالسكينة الروحية ، كانت تنقصه صلاة مع الجماعة لكنه ظل يسائل نفسه:" مع من سأصلي صلاة الجماعة ...أمع النساء أصليها ..أم مع الرجال..."  عاش حيرة وجودية قاسية بين الأنثى التي حرص الجميع على أن تبقى حية تتحرك أمامهم و بين الرجل الذي حرصوا على ألا يظهر بل أرادوه متواريا مختفيا في أعماق ذاته،حيرة شاقة بين ماضيه القاسي بجرح لا يندمل و حاضره الإيماني ، كان في رحلته الوجودية المتعبة يشعر ببريق سعادة لأنه آمن بأنه أصبح أمام الله مثل كل أولائك الذين تزوجوه زواجا شرعيا لليلة واحدة، أولائك الذين كان يسمع منهم في الصباح :" نانسي أنت طالق.. طالق.. طالق.." الآن أعلنوا تقواهم و إيمانهم و رسموا على محياهم نعمة السكينة فالتزموا بالمساجد يؤدون الصلاة في أوقاتها ، هو أيضا عاش الرذيلة مرغما و تاب لله عليه توبة نصوح ، يجتهد في الفروض و النوافل  له خلوات إيمانية كثيرة يصوم كل يوم اثنين و خميس...يتصدق و يسارع لفعل الخير..
قبل آذان ظهر يوم الجمعة اغتسل ، لبس أجمل عباءة يملكها تطيب بالمسك ، شذب لحيته ، حمل بين أصابعه مسواكا ، نظر في المرآة و أحس بالرضا و الطمأنينة حيث رأى صورة المؤمن المخلص .. في طريقه إلى المسجد كانت حركاته و مشيته المؤنثة تثير الانتباه وكانت تصل إلى أذنيه تعويذات و حوقلات المارة ، لم يعبأ بما كان يسمع و إنما قرّ قراره أن يحصل على الأجر كاملا في هذا اليوم الفضيل ، خير أيام الله ، يسمع فيه خطبتي الجمعة و يصلي مع الجماعة.
نزع بلغته و بحركة أنثوية وضعها تحت إبطه و دخل برجله اليمنى محاولا أن يجد طريقا إلى مكان فارغ لمحه في الصفوف الأولى، جلس بين رجلين نظرا إليه نظرات فيها الكثير من الريبة و علامات التعجب والغضب و صاح أحدهما في المصلين :"الله أكبر..الله أكبر.. إذا رأى أحدكم منكرا فليغيره......يا عباد الله شاذ جنسيا دنس مسجدنا ...هبوا للدفاع عن حرمة بيت الله.."
ضج المسجد بالتكبير و التهليل و دعوات قتل هذا الشاذ..وجد نانسي نفسه محاصرا من كل الجوانب ، اسلم جسده لضربات انهالت عليه من كل جانب فسقط مغشيا عليه و تقدم نحوه عشرة من شداد الرجال و أقواهم و قبل أن يجهزوا عليه أفتى فيهم أحدهم فتوى قرشية جاهلية حيث قال لهم:" علينا أن نضربه ضربة رجل واحد ليتفرق دمه بين الجميع ..فيفشل القانون في معرفة القاتل .." برق القتل في عيونهم و تحت أصوات التكبير أجهزوا على نانسي ،هشموا رأسه بضربات قاسية ..مات "أنور" المؤمن الصادق..رافعا شاهده نحو السماء..تاركا لهم جسدا أرادوه بصيغة المؤنث

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

فلسطين والقدس الأبية
لماذا أكتب لك؟؟ وأنت بعيد!!
أنا النزيل الأعمى على حروف الهجاء ( في رثاء…
السقيفة الملعونة
أنت الوحيد

اخر الاخبار

الولايات المتحدة تغلق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس وتدمج…
ماكرون يستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع في أول زيارة…
مقتل عضو في حركة حماس في غارة إسرائيلية على…
تعاون مغربي موريتاني لتعزيز اللامركزية والتنمية المحلية

فن وموسيقى

كندة علوش تعلن شغفها بالقضايا الإنسانية وتكشف رغبتها في…
دنيا بطمة تؤكد أنها لم أنَل حقها في المغرب…
إليسا تشعل 2025 بمفاجآت فنية وألبوم جديد بعد تألقها…
هند صبري تتألق في بيروت وتتوج بجائزة الإنجاز الفني…

أخبار النجوم

مصطفي شعبان يشارك هيفاء وهبي بطولة عمل سينمائي جديد
يوسف الشريف يعلق على مشاركته في حفل بطولة العالم…
الفنان ظافر العابدين ينضم لفيلم "السلم والثعبان 2"
حمادة هلال يشارك في موسم رمضان 2026 بـ«المداح 6»

رياضة

قميص محمد صلاح يُعرض في مزاد ويصل إلى 17…
المغربي أشرف حكيمي مرشح لجائزة أفضل لاعب إفريقي في…
هاري كين يقترب من لقب هداف الدوري الألماني للموسم…
محمد النني يتوج بجائزة جديدة في الدوري الإماراتي

صحة وتغذية

طريقة سهلة لخفض ضغط الدم دون الحاجة لتقليل الملح…
إجراء أول عملية استئصال للبروستات باستخدام الروبوت الجراحي عن…
القهوة تحارب الضعف الجسدي لدى كبار السن وتحسن القوة…
علاج فقدان السمع في مراحله المبكرة قد يساهم في…

الأخبار الأكثر قراءة