القاهرة - المغرب اليوم
هل لاحظت أنك بدأت ترى أحلاماً أكثر وضوحاً بعد تقليل تناولك للقهوة أو المشروبات التي تحتوي على الكافيين؟ لست وحدك. كثيرون يروون تجارب مشابهة، حيث تبدأ أحلامهم في الظهور بشكل أكثر تفصيلاً وواقعية بعد أيام قليلة فقط من خفض استهلاكهم للكافيين. هذه الظاهرة المثيرة للاهتمام دفعت باحثين إلى محاولة فهم العلاقة بين الكافيين، النوم، وطبيعة الأحلام.
رغم أن لتقليل الكافيين فوائد معروفة مثل تحسين جودة الأسنان أو تقليل عدد زيارات الحمام، إلا أن البعض يعتبر أن من "الآثار الجانبية" غير المتوقعة لهذه الخطوة هو ازدياد الأحلام الحية، والتي قد تكون أحياناً مزعجة أو حتى مخيفة.
لفهم هذه الظاهرة، لا بد من التطرق إلى الطريقة التي يؤثر بها الكافيين على الدماغ. فالكافيين يعمل كمادة منبّهة، ويقوم بتعطيل تأثير الأدينوسين، وهو مركب كيميائي يتراكم في الدماغ على مدار اليوم ليساعدنا على الشعور بالنعاس مع حلول المساء. حين نتناول الكافيين، فإنه يوقف تأثير الأدينوسين، ما يجعلنا نشعر باليقظة والنشاط. لكن عندما ينتهي مفعوله، يعود الشعور بالنعاس بقوة، وهي الحالة المعروفة بـ"انهيار الكافيين".
الكافيين يظل في الجسم لفترة تتراوح بين ثلاث إلى ست ساعات، وهو ما يعني أن استهلاكه في فترة ما بعد الظهر أو في المساء يمكن أن يؤدي إلى صعوبات في النوم أو تقطّعه. وهذا التأثير يبدو أوضح في مراحل النوم العميق، وتحديداً النوم غير المصحوب بحركة العين السريعة (NREM)، الذي يُعد ضرورياً لاستعادة الطاقة وتعزيز وظائف الدماغ.
وفي حين أن الأبحاث العلمية التي تربط مباشرة بين تقليل الكافيين وزيادة وضوح الأحلام ما تزال محدودة، إلا أن هناك تفسيراً معقولاً مبنياً على فهمنا لكيفية عمل النوم. عندما يقل استهلاك الكافيين، يتحسن النوم تدريجياً من حيث العمق والاستمرارية، ويصبح الجسم قادراً على قضاء وقت أطول في مرحلة النوم المصحوب بحركة العين السريعة (REM)، وهي المرحلة المرتبطة بشكل مباشر بالأحلام.
الأحلام التي تظهر في هذه المرحلة تكون عادةً أكثر وضوحاً، مليئة بالتفاصيل، وقد تُثير مشاعر قوية لدى النائم. ويُطلق عليها اسم "الأحلام الجلية" أو "الحيّة"، لأنها تشبه في بعض الأحيان الواقع من حيث مستوى الإحساس والدقة. ويزداد احتمال تذكّر هذه الأحلام إذا استيقظ الشخص أثناء هذه المرحلة أو بعدها مباشرة.
لذلك، فإن التحسّن في جودة النوم نتيجة تقليل الكافيين، وزيادة مدة مرحلة REM، قد يفسّر السبب في أن كثيرين يلاحظون تزايد الأحلام الحية بعد اتخاذ قرار بخفض الكافيين.
ويُذكر أن الكافيين لا يوجد فقط في القهوة أو مشروبات الطاقة، بل يتواجد أيضاً في الشاي، بعض المشروبات الغازية، الشوكولاتة، المكملات الغذائية قبل التمارين، وحتى في بعض أنواع الأدوية. ولهذا، فإن توقيت تناول الكافيين مهم جداً. الخبراء ينصحون بعدم تناول أي مصادر كافيين قبل ثماني ساعات على الأقل من موعد النوم، وفي بعض الحالات يُفضّل التوقف عنه قبل 12 ساعة كاملة.
بالرغم من وجود فوائد صحية معروفة للكافيين، مثل تحسين الأداء الذهني، وتعزيز المزاج، وتقليل خطر الإصابة ببعض الأمراض العصبية مثل باركنسون، إلا أن تأثيره على النوم يظل من العوامل التي تستحق الانتباه. وإن لم تكن ترغب في التوقف الكامل عن الكافيين، فقد يكون ضبط توقيت تناوله هو الخطوة المثلى للاستفادة من منافعه دون الإضرار بجودة نومك.
إذاً، يمكن القول إن تقليل الكافيين قد لا يكون سبباً مباشراً لظهور الأحلام الجلية، لكنه يمنح الدماغ الفرصة لقضاء وقت أطول في مراحل النوم التي تنتج خلالها هذه الأحلام. وربما لهذا السبب، يجد البعض أن تقليل القهوة لا يمنحهم نوماً أفضل فقط، بل أيضاً أحلاماً أكثر إثارة ووضوحاً مما اعتادوه.
قد يهمك أيضـــــــــا


أرسل تعليقك
تعليقك كزائر