يتقدم السياسي الأمريكي الشاب زهران ممداني بخطوات ثابتة نحو منصب عمدة مدينة نيويورك، في سباق انتخابي تاريخي قد يجعله أول مسلم يتولى هذا المنصب في واحدة من أهم مدن العالم. وقد أثار صعود ممداني، الذي يبلغ من العمر 34 عامًا، اهتمامًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية، بسبب مواقفه اليسارية الجريئة وأفكاره الاشتراكية وموقفه المؤيد للقضية الفلسطينية.
ينحدر ممداني من عائلة مسلمة ذات أصول هندية كانت تقيم في أوغندا قبل أن تهاجر إلى الولايات المتحدة عندما كان في الثامنة من عمره. والده أستاذ جامعي بارز في أمريكا، ووالدته ميرا نير مخرجة سينمائية معروفة. نشأ في نيويورك، المدينة التي تعد أغنى بلديات الولايات المتحدة بميزانية تفوق 110 مليارات دولار سنويًا، ومن يشغل منصب العمدة يدير اقتصادًا بحجم دول.
في بداياته، شارك ممداني في عمل فني أخرجته والدته، كما جرّب الغناء بأسلوب الراب، لكنه سرعان ما وجد طريقه في النشاط السياسي. انتُخب لاحقًا عضوًا في مجلس بلدية نيويورك، وأصبح من أبرز ممثلي الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي. عُرف بمواقفه المعارضة للسياسة الإسرائيلية، ودعمه الواضح للفلسطينيين، وهو ما جعله عرضة لهجمات متكررة من خصومه.
يعلن ممداني انتماءه الفكري بلا مواربة، ويقول إنه اشتراكي في بلد يُعد معقلًا للرأسمالية. ويعد في حملته الانتخابية بقرارات جريئة مثل منع ملاك العقارات من رفع الإيجارات، وجعل ركوب الحافلات مجانيًا، وتوفير رعاية مجانية للأطفال أثناء عمل ذويهم. هذه الوعود لاقت صدى واسعًا بين سكان نيويورك الذين يعانون من ارتفاع تكاليف المعيشة.
بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، أصبح ممداني المرشح الرسمي للحزب، وهو ما يعزز حظوظه نظرًا لأن أغلبية سكان المدينة تصوّت تقليديًا للديمقراطيين. وقد شارك في مناظرات حادة ضد المرشحين الآخرين، بينهم الجمهوري كيرتس سليوا والمستقل أندرو كومو، حاكم نيويورك السابق، الذي عاد للمنافسة بعد انسحابه سابقًا إثر اتهامات بالتحرش الجنسي وسوء إدارة أزمة كوفيد-19. أما العمدة الحالي إيريك آدامز، فقد أعلن تأييده لكومو، محذرًا من أن فوز ممداني قد يغيّر مسار المدينة بشكل جذري.
انقسام الحزب الديمقراطي حول ممداني كشف عمق الخلاف بين جناحيه التقليدي واليساري. زعيم الحزب في مجلس النواب حكيم جيفريز أعلن دعمه لممداني بعد تردد، فيما فضّل زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر – وهو أعلى مسؤول يهودي في الدولة – الدفاع عنه في وجه الجمهوريين دون إعلان تأييد رسمي. أما الرئيس الأسبق باراك أوباما فاتصل بممداني مهنئًا إياه على حملته، من دون أن يعلن دعمه العلني له.
مواقفه من إسرائيل أثارت قلقًا داخل الأوساط اليهودية الأمريكية، خاصة أن اليهود يشكلون نسبة مهمة من سكان نيويورك. فقد اتهمته منظمات يهودية بمعاداة السامية، بينما رد ممداني بأنه يعارض السياسات لا الديانات، مؤكدًا التزامه بمحاربة الكراهية الدينية بكل أشكالها.
المرشح الجمهوري السابق دونالد ترامب وصف ممداني بأنه "شيوعي"، محذرًا من فوزه، بينما يرى بعض الجمهوريين أن فوزه قد يخدمهم على المدى الطويل لأنه سيكشف الوجه اليساري المتشدد للحزب الديمقراطي ويؤدي إلى نفور الناخبين منه في الانتخابات الوطنية المقبلة.
من جهة أخرى، يبرر ممداني أفكاره الاقتصادية بأنها تسعى إلى العدالة الاجتماعية، رغم إقراره بأنها تتطلب رفع الضرائب على الأثرياء، وهو ما يثير مخاوف من هروب رؤوس الأموال. خصومه يرون أن التجارب الاشتراكية في العالم أثبتت فشلها وأدت إلى الفقر والفساد، لكن أنصاره يعتبرون أن نموذجه مستوحى من العدالة الاجتماعية الأوروبية وليس من الاشتراكية التقليدية.
يؤكد ممداني أن كونه مسلمًا لا يجب أن يكون موضع جدل، بل جزءًا من التنوع الذي يميز نيويورك. ويقول إن المسلمين في المدينة يريدون المساواة والكرامة، وإن سياساته تستهدف خدمة جميع السكان بغضّ النظر عن خلفياتهم.
مع اقتراب موعد الانتخابات، بات زهران ممداني رمزًا لجيل أمريكي جديد يؤمن بالتغيير ويطالب بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية. فوزه سيشكّل محطة تاريخية في السياسة الأمريكية، واختبارًا حقيقيًا لقدرة مدينة مثل نيويورك على تقبّل عمدة مسلم يحمل أفكارًا اشتراكية في قلب النظام الرأسمالي الأمريكي.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
فوز زهران ممداني في انتخابات نيويورك يكشف الوجه القبيح لمعاداة الإسلام في الولايات المتحدة
الولايات المتحدة تلغي قمة بودابست بعد إصرار روسيا على مطالب متعنتة بشأن أوكرانيا
 
 
 
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر