لا يمكن قراءة مناخ المغرب بمعزل عن حركة الغلاف الجوي العالمية؛ فما يحدث من تبريد في مياه المحيط الهادئ قد يكون له “صدى مطري-ثلجي” فوق جبال الأطلس المغربية. وانطلاقا من نظرية “النظام الطاقي الموحّد” للأرض، قدّم خبراء وباحثون في قضايا المناخ قراءة علمية معمقة لسيناريوهات شتاء 2025-2026، وسط توقعات ترجح كفّة “شتاء برطوبة جيدة” في أجواء المملكة.
وغاصت أغلب التوقعات، في عمق العلاقة المعقدة بين ظاهرة “النّينْيا” وضعف “المرتفع الآصوري”، مفسرة كيف يمكن لهذه الدينامية العالمية أن تحول مسار التيارات الهوائية لصالح المغرب، وتجعل من هذا الموسم محطة واعدة لعودة الرطوبة والأمطار النافعة بدلا من “موجات الصقيع الجافة” التي وسَمَت طقس السنين الأخيرة.
استهل محمد سعيد قروق، أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، تحليله بالإشارة إلى أن “النظام المناخي للأرض يعمل كوحدة متكاملة”، شارحا أن “المحيطات، خاصة المحيطين الهادئ والأطلسي، تلعب دور خزان الطاقة الرئيسي الذي يحرك الآلة الجوية”، مستحضرا أن “ما يحدث في المحيط الهادئ (مصدر الطاقة) ينعكس مباشرة عبر الغلاف الجوي ليؤثر على توزيع الضغوط الجوية في العالم، دون استثناءِ منطقة شمال إفريقيا والمغرب”.
في سياق تفسير الوضع الحالي، أوضح قروق أن استمرار ظاهرة “النينيا” (برودة المياه السطحية في المحيط الهادئ) يلعب دورا إيجابيا لصالح المغرب. فخلافا لظاهرة “النينيو” التي تغذي المرتفعات الجوية وتسبب الجفاف، تؤدي “النينيا” إلى نقص في الإمداد الطاقي نحو العروض شبه المدارية، مما يُضعف قوة “المرتفع الآزوري”. هذا الضعف هو المفتاح الذي يسمح للكتل الهوائية والاضطرابات الأطلسية باختراق الأجواء المغربية بدلا من صدها نحو شمال أوروبا.
بناء على نظرية “الترابط الطاقي” (تربط السبب بالنتيجة بين ذبذبات المحيط الهادئ ومناخ الأطلسي)، توقع أستاذ علم المناخ أن يكون موسم شتاء 2025-2026 رطبا ومميّزا. وقال مرجحا: “بناء على المعطيات العلمية وليس التخمين، عودة قوية للأمطار التي ستكون مفيدة جدا للموارد المائية نتيجة سيطرة الذبذبة الشمال أطلسية السالبة التي تسمح بمرور السحب الممطرة نحو جنوب أوروبا وشمال إفريقيا”.
وبخصوص المخاوف من تيارات قطبية شديدة، قلل قروق من احتمالية تأثر المغرب المباشر بـ”التيار النفاث” القطبي كما حدث في شتاء 2009-2010. وأشار إلى أن المغرب ليس في قلب الجبهة القطبية حاليا، “مما يعني أننا لن نكون عرضة لكتل هوائية شديدة البرودة بشكل معمم، بل سيكون التركيز على الرطوبة والأمطار”، في تقديره.
وخلص أستاذ علم المناخ إلى استنتاج واضح، مفاده أن “البرودة المتوقعة هذا الشتاء ستكون ذات طابع محلي مرتبط ببرودة التضاريس (المرتفعات والجبال) نتيجة التساقطات الثلجية الكثيفة المتوقعة، وليست ناتجة عن زحف جليدي قطبي شامل. وبالتالي، فإن العنوان الأبرز لهذا الموسم هو عودة الرطوبة والأمطار النافعة”، وليس موجات الصقيع القاسية، مما يبشر بـ”موسم فلاحي واعد”.
في المقابل، بسط أيوب كرير، باحث في المناخ والتنمية المستدامة رئيس جمعية “أوكسيجين للبيئة والصحة”، قراءة أكثر حذرا تركز على مفهوم “التطرف المناخي”. وقال إن “ضعف النينيا” هذا العام سلاح ذو حدين؛ فهو يرفع من “قابلية التقلب” ويجعل الغلاف الجوي غير مستقر، ما قد يضعنا أمام “شتاء تناقضي”.
وفي حديثه ، شرح كرير أن “برودة شمال الأطلسي تزيد من تموج التيار النفاث، مما قد يفتح الباب لاندفاعات قطبية نحو المغرب، لكنها قد تكون “جافة” في فترات كثيرة. وأردف قائلا: “نحن لسنا أمام شتاء رطب 100% كما في سنوات النينيا القوية، بل أمام موسم هجين تتناوب فيه فترات المطر مع فترات طويلة من البرد القارس والصقيع، حيث يسيطر المرتفع الآزوري ويدفع السحب بعيدا”.
وبحسب الباحث في المناخ، فإن “ضُعف النينيا لا يضمن الأمطار بقدر ما يرفع احتمالية التقلبات (…) نحن أمام موسم قد يجمع بين موجات الصقيع القاسية وفترات مطرية عابرة”، بتعبيره.
وبشأن “التطرّف الحراري ومخاطر الصقيع” التي ارتفعت خلال “السبع العِجاف” المتوالية، ذكر المصدر نفسه أن “السمة الأبرز لهذا الموسم قد تكون التطرف الحراري (موجات برد وصقيع) أكثر من كونه موسم أمطار فيضانية”، محذرا من فترات “البرد الجاف” التي قد تسيطر على أجزاء كبيرة من الموسم، “حيث تكون درجات الحرارة متدنية جدا (صقيع) دون أن ترافقها تساقطات”، وهو “ما يشكل تحديا للفلاحة، خاصة عندما تغيب الغيوم التي تحفظ دفء الأرض ليلا”.
واستخلص كرير أن “المغرب ليس بصدد شتاء رطب بشكل تام كما يحدث في سنوات النينيا القوية، بل نحن أمام موسم هجين، حيث التطرف فيه وارد بنسب مهمة، والبرودة فيه قد تكون أكثر حدة واستمرارا من فترات المطر”. ومع ذلك، تبقى “الرطوبة الجيدة واردة كلما نجحت المنخفضات في اختراق الحاجز الجوي، لكنها لن تكون النمط الوحيد الثابت طيلة الفصل
قد يهمك أيضــــــــــــــا
توصية بإعادة فتح الأجواء المغربية بعد تبدّد خطر "أوميكرون" والحكومة تحسم القرار الخميس
اكتشاف حياة غريبة في أعماق المحيط الهادئ تكشف عن كائنات من عالم آخر
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر