بعد المهلة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لحركة «حماس» لقبول خطة السلام (المكونة من 20 بنداً) بحلول الساعة السادسة مساء الأحد بتوقيت واشنطن، وإلا فمواجهة كل «الجحيم» الذي لم يرَ أحد مثله، فإن حركة «حماس» تجد نفسها بين خيارات ضيقة للغاية، وتقف أمام قرار قد يحدد مصيرها؛ فإما أن تتجرع مرارة خطة السلام الأميركية، أو تساوم على تعديلات قد تكسبها بعض الوقت، أو تواجه النهاية الحزينة التي توعد بها ترمب في سلسلة تغريداته وتصريحاته النارية بـ«الجحيم».
وتنقسم آراء الخبراء والمحللين حول السيناريوهات المتوقعة، سواء وافقت الحركة أو رفضت أو طالبت بتعديلات أو تذرعت بصعوبات تواجه الإفراج عن كل الرهائن الأحياء والأموات، وما سينجم عن كل سيناريو من تبعات وتداعيات.
فهل الموافقة ستعني إحلال السلام في قطاع غزة بعد حرب ومعاناة استمرت لعامين، أو ستعني هدوءاً مؤقتاً هشاً يمكن أن ينهار في أي وقت ويخاطر باقتتال داخلي فلسطيني، أم الرفض الذي يعني أن يقدم ترمب على تنفيذ تهديداته بـ«الجحيم» الذي لا يحدد ماهيته، لكنه في مضمونه يعني إطلاق يد بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف لـ«إنهاء المهمة» والقضاء على «حماس» مرة واحدة وإلى الأبد، والاستمرار في العمليات العسكرية، وربما ضم الضفة وإعادة احتلال قطاع غزة؟
السيناريو الأول: الموافقة
إذا وافقت «حماس» - وهو سيناريو «غير مرجح تماماً» حسب محلّلين أميركيين - فإن الشرق الأوسط قد يشهد تحولاً جذرياً، يؤدي إلى انتهاء الحرب. وفي هذا السيناريو، يتوقّع أن يكون الرد الأميركي على موافقة «حماس» هو تسريع خطوات التنفيذ، وإطلاق مساعدات بمليارات الدولارات لإعادة الإعمار. ووفقاً للخطة، تنسحب القوات الإسرائيلية على مراحل بداية من شمال غزة، وتبدأ سلطة انتقالية بقيادة الأمم المتحدة - يُحتمل أن يقودها شخصيات مثل توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق - عملية إعادة الإعمار بتمويل خليجي بقيمة 50 مليار دولار.
ورغم ما تحمله الخطة من إيجابيات ظاهرية، فإن الشكوك عالية حول ما يمكن أن تسفر عنه موافقة «حماس» من إحلال سلام حقيقي في المنطقة؛ إذ يرى جوناثان شانزر، المحلّل في معهد «دفاع الديمقراطيات» (FDD)، أن الخطة تبدو وكأنها «أفضل نتيجة»؛ لأنها تُنهي سلسلة الحروب مع «حماس»، وتحول غزة إلى «ريفييرا خالية من السلاح» بتمويل خليجي، مع ضمانات أميركية لتدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق. لكن حتى في حال موافقة «حماس» على هذه الخطة، فإن هذا لا يضمن إحلال السلام، ولا يقدم حلاً جذرياً للصراع.
ويقول شانزر: «بالنسبة لـ(حماس)، العواقب وجودية؛ فحلها ككيان عسكري يجرد الحركة من مبرر وجودها كحركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي، وقد تندلع انقسامات داخلية وانشقاقات واتهامات بالخيانة قد تؤدي إلى انشقاق خلايا تقوم بحرب عصابات».
ويتخوف ستيفن كوك الخبير بمجلس العلاقات الخارجية، من أن موافقة «حماس» قد تعني انتصاراً كبيراً لترمب، لكنها قد تكون برميل بارود لغضب داخل الشارع العربي، مع اتهامات بليّ أذرع دول المنطقة لإبرام صفقة متحيزة، وهو ما عبر عنه تقرير لـ«المركز العربي» بواشنطن الذي وصف الخطة بـ«نصف مطبوخة»، وحذر من أن الموافقة قد تُقسِّم «حماس» داخلياً، مُؤدّية إلى صراعات داخلية في غزة، مع رد أميركي يركّز على «الضغط الدبلوماسي» لإجبار السلطة الفلسطينية على التعاون.
وحذر مركز «تشاتام هاوس»، البريطاني - الأميركي، من أن الخطة تطالب بحل «حماس» كقوة عسكرية وإدارية، مما قد يؤدي إلى «إعادة هيكلة» غزة تحت سلطة فلسطينية مدعومة أميركياً، لكن «من دون ضمانات للدولة الفلسطينية، ستكون مجرّد انتصار إسرائيلي».
السيناريو الثاني: المساومة وطلب توضيحات
السيناريو الأكثر ترجيحاً، حسب محلّلين أميركيين، هو طلب «حماس» إجراء «تعديلات» أو «توضيحات»، تحت خيار «نعم... ولكن»، وقد أفادت تقارير بانقسام داخلي في الحركة، مع تيار قوي يعارض رفض الخطة، ويفضّل موافقة مشروطة بالمطالبة بتوضيحات حول النقاط الشائكة مثل الجداول الزمنية الكاملة للانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وضمانات عدم إعادة الاحتلال، والمطالبة بإشراف أممي للإعمار.
وقالت صحيفة «الغارديان» عن مصادر بحركة «حماس» إنها تدرس وضع تعديلات على بند «نزع السلاح»، وتصر على تبادل تدريجي للأسرى والرهائن مرتبط بانسحاب القوات الإسرائيلية. والتداعيات والعواقب هنا متباينة؛ فقد يؤدي ذلك إلى تأجيل المهلة لأيام قليلة أو أسابيع طويلة، وقد يؤدي إلى بعض الهدوء المؤقت، تختبر فيه «حماس» صبر ترمب، لكن هذا السيناريو يخاطر بتنفير داعمين مثل قطر، والذين يعتبرون الخطة مخرجاً شاملاً، ويخاطر أيضاً بتشدد أميركي غاضب يدفع ترمب إلى اتخاذ «خطوات أحادية» مثل تعزيز الدعم العسكري لإسرائيل. وتصف سوزان مالوني من معهد «بوركينغز» هذا الموقف بأنه يشابه «لعبة بوكر مطوّلة»، وقد ينفد معه صبر المفاوضين إقليمياً، وينذر باندلاع صراعات بالوكالة في لبنان واليمن.
السيناريو الثالث: الرفض ومواجهة «الجحيم»
يقول المحللون إن الرفض قد يطلق شرارة نهاية العالم الذي يسخر منه ترمب، ويبقى عليه أن ينفذ تهديداته بـ«الجحيم»، وهي الكلمة التي استخدمها عدة مرات منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، مطلقاً العنان لمبدأ «إنهاء المهمة» الإسرائيلي. وقد أوضح داني دانون السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، أنه سيكون على إسرائيل - في حال رفض «حماس» الخطة - أن تقوم بعمليات «الأرض المحروقة» لتفكيك كل الأنفاق ومخابئ الصواريخ. ويتوقع المحللون أن تشن إسرائيل «حملة عسكرية شاملة» مدعومة أميركياً، تشمل غزواً برّياً إسرائيلياً لرفح، مع قصف جوي مكثّف يستهدِف قادة «حماس» المتبقين. ويتوقع خبراء مجلس «أتلانتيك» أن ذلك قد يعني مقتل ما بين 20 و50 ألف فلسطيني خلال الأشهر القادمة، مع نزوح جماعي إلى سيناء المصرية، وهو ما يشكّل مخاطر أمنية لمصر. وتحذر صحيفة «واشنطن بوست» من أن رفض «حماس» سيعني إعادة تشكيل التحالفات، وسيقوي إيران في مواجهة الولايات المتحدة، وسيقضي على طموحات ترمب لتوسيع «الاتفاقات الإبراهيمية».
وتقلل صحيفة «ذا هيل» من تفسير كلمة «الجحيم» التي يفرط الرئيس ترمب في استخدامها، وتقول إن ترمب، الذي يطمح لـ«جائزة نوبل»، يستخدم اللغة للضغط النفسي؛ فـ«الجحيم» يعني نهاية «حماس»، لكن بـ«ثمن إنساني باهظ»، مع إمكانية نزوح جماعي وأزمة إقليمية. ويُجْمِع المحلّلون الأميركيون على أن رد «حماس» الـ«إيجابي جزئياً» هو الأرجح، مُؤَدِّياً إلى مفاوضات مُطَوَّلَة، لكن «الجحيم» يُهَدِّد بتصعيد يُغيِّر المنطقة إلى الأبد.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
ترامب يمنح حماس "الفرصة الأخيرة" ويتوعدها بالجحيم إن رفضت الصفقة
المحكمة العليا تنظر في محاولة ترمب لإقالة ليزا كوك
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر