قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنّ الأطباء في الولايات المتحدة سيتلقّون قريباً تعليمات بعدم وصف مسكّن الألم "تايلينول" للنساء الحوامل، مشيراً إلى وجود صلة مثيرة للجدل بين الدواء والتوحّد.
وزعم الرئيس الأمريكي يوم الإثنين أنّ تناول "تايلينول"، المعروف في أماكن أخرى بالباراسيتامول، "ليس جيداً"، وأنّ على النساء الحوامل أن "يقاتلن بشراسة" لعدم تناوله إلا في حالات الحمّى الشديدة.
لكن خبراء طبيين رفضوا هذه المزاعم بشدة، ووصف بعضهم تصريحات الرئيس بأنّها "خطيرة".
وتشير بعض الدراسات إلى وجود ارتباط محدود بين تناول النساء الحوامل لمادة الأسيتامينوفين - المكوّن الفعّال في "تايلينول" - والتوحّد، إلا أنّ هذه النتائج جاءت متباينة ولا تثبت علاقة سببية مباشرة بين الدواء والاضطراب.
الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد رفضت الصلة التي طرحها الرئيس الأمريكي في المكتب البيضاوي يوم الإثنين.
وقال رئيسها، الدكتور ستيفن فليشمان، إن الادعاء بشأن "تايلينول" "لا يستند إلى مجمل الأدلة العلمية، ويبسّط بشكل خطير الأسباب المتعددة والمعقدة للمشكلات العصبية لدى الأطفال".
وأضاف البيان: "الدراسات التي أجريت في السابق لم تظهر أي دليل واضح يثبت وجود علاقة مباشرة بين الاستخدام الحكيم للأسيتامينوفين خلال أي مرحلة من الحمل ومشكلات نمو الجنين".
ما هو تايلينول؟
يباع عقار "تايلينول" من دون وصفة طبية لتخفيف الألم وخفض الحرارة، ويحتوي على مادة الأسيتامينوفين، المعروفة في مناطق أخرى من العالم باسم الباراسيتامول.
ويباع الدواء في الأسواق تحت أسماء تجارية متعدّدة وبأشكال مخصّصة للأطفال والرضّع، ليصبح أحد الأدوية الأساسية في منازل كثيرة حول العالم لعلاج الألم والحمّى.
تؤكد جمعيات طبية كبرى وحكومات حول العالم أن عقار تايلينول آمن لاستخدام النساء الحوامل.
وقالت الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد إن الأطباء في الولايات المتحدة يعتبرون تايلينول - المعروف أيضاً بالباراسيتامول - واحداً من المسكّنات القليلة الآمنة خلال الحمل. وأضافت: "الدراسات التي أُجريت في الماضي لم تُظهر أي دليل واضح يثبت وجود علاقة مباشرة بين الاستخدام المعتدل للأسيتامينوفين في أي مرحلة من الحمل ومشكلات نمو الجنين".
أما هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا، فتشير إلى أن الباراسيتامول هو "الخيار الأول" من بين المسكّنات للنساء الحوامل، موضحة أنه "يُستخدم عادة أثناء الحمل ولا يؤذي الجنين".
من جهتها، دافعت شركة "كينفيو"، المصنّعة لدواء تايلينول، عن استخدامه لدى الحوامل، مؤكدة أنه "المسكّن الأكثر أماناً" لهذه الفئة. وقد تواصلت بي بي سي مع الشركة للحصول على تعليق إضافي.
لكن الشركة والأطباء في الولايات المتحدة ينصحون دوماً باستشارة مقدّمي الرعاية الصحية قبل تناول أي دواء يباع من دون وصفة طبية.
وبحسب وسائل إعلام أمريكية، فإن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ستوصي النساء الحوامل باستخدام الدواء فقط في حالات الحمّى المرتفعة.
ويذكر أن الحمّى المرتفعة غير المعالَجة قد تضرّ بالأم والجنين.
هل يمكن أن يسبّب تايلينول التوحّد؟
في أبريل، تعهّد وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، روبرت كينيدي جونيور، ببدء "جهد ضخم للاختبار والبحث" لتحديد سبب التوحّد خلال خمسة أشهر.
لكن خبراء حذّروا من أن العثور على أسباب التوحّد – وهو اضطراب معقّد جرى بحثه لعقود – ليس بالأمر السهل.
الرأي السائد لدى الباحثين أن التوحّد ليس له سبب واحد، بل يُعتقد أنه نتيجة مزيج معقد من العوامل الوراثية والبيئية.
في أغسطس/آب، خلصت مراجعة بحثية بقيادة عميد كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد إلى أن الأطفال قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالتوحّد واضطرابات النمو العصبي الأخرى عند تعرضهم للباراسيتامول أثناء الحمل.
ورغم أن الباحثين أوصوا بتقليل استخدام الدواء، إلا أنهم شددوا على أهميته في علاج الألم والحمّى لدى الحوامل.
لكن دراسة أخرى نُشرت في عام 2024 لم تجد أي علاقة بين التعرض لتايلينول والإصابة بالتوحّد.
وقالت مونيك بوثا، أستاذة علم النفس الاجتماعي والنمائي في جامعة دورهام: "لا يوجد دليل قوي أو دراسات مقنعة تشير إلى وجود علاقة سببية".
كيف يعمل تايلينول؟
تتنوع الأدوية المسكّنة للألم (المعروفة بالمسكّنات) بين أفيونية وغير أفيونية.
فالمسكّنات الأفيونية، المشتقة من نبات الخشخاش أو المصنعة مخبرياً، ترتبط بمستقبلات خاصة في الدماغ وتؤدي إلى إفراز هرمون الدوبامين المرتبط بمشاعر المتعة. لكن هذه الأدوية شديدة الإدمان، ولهذا يوصي الخبراء عادة ببدء علاج الألم بالأدوية غير الأفيونية مثل الباراسيتامول.
والمثير للاهتمام أنه لا يوجد حتى الآن إجماع علمي حول آلية عمل الباراسيتامول بدقة.
يقول فيليب كوناغان، أستاذ طب الجهاز العضلي الهيكلي في جامعة ليدز بالمملكة المتحدة: "آلية عمل الباراسيتامول لم تتضح تماماً بعد"، مضيفاً أنه "من المرجّح أن يؤثر على إدراك الألم في الجهاز العصبي المركزي والدماغ، وقد يعمل أيضاً في مناطق محيطية مرتبطة بالالتهاب".
وفق هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا، فإن الباراسيتامول يعمل عبر حجب مواد كيميائية في الدماغ تنقل إشارات الألم وتتحكم في درجة حرارة الجسم.
ولطالما كانت هناك نظرية تفيد بأن الباراسيتامول يعمل من خلال تثبيط إنزيم يعرف باسم "السيكلوأوكسيجيناز" (COX)، وهو المسؤول عن إنتاج البروستاغلاندينات – وهي مواد شبيهة بالهرمونات ترتبط بآليات الألم.
لكن يعتقد الآن أن الباراسيتامول يعمل بطرائق إضافية أيضاً. فعلى سبيل المثال، يتحوّل في الجسم إلى مركب يسمى AM404، الذي يُرجَّح أنه يلعب دوراً في عدة مسارات عصبية مرتبطة بالألم.
كم مرة يمكن تناول تايلينول؟
يشدد الخبراء الصحيون على أهمية الالتزام بتعليمات الجرعة الموصَى بها عند استخدام الباراسيتامول لضمان السلامة.
ويقولون إنه نادراً ما يسبّب آثاراً جانبية إذا استُخدم بالجرعات الصحيحة ولفترة قصيرة.
الجرعة الموصَى بها، بحسب هيئة الخدمات الصحية البريطانية، هي قرص أو قرصان (500 ملغ) حتى أربع مرات في 24 ساعة، بحد أقصى ثمانية أقراص في اليوم.
وتجاوُز هذه الجرعة قد يؤدي إلى تلف شديد في الكبد أو فشله، إذ يتحول حوالي 5 في المئة من الباراسيتامول في الجسم إلى مادة سامة تُعرف بـ NAPQI.
وتشير بيانات إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلى أن الجرعات الزائدة من الباراسيتامول كانت السبب الرئيسي للفشل الكبدي الحاد في الولايات المتحدة بين عامي 1998 و2003.
وفي نحو نصف هذه الحالات، كان التسمم عرضياً، إذ تجاوز الأشخاص الحدّ اليومي الموصَى به من دون قصد.
وغالباً ما يحدث ذلك لأن الباراسيتامول موجود في نحو 600 دواء مختلف، بحسب إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
فمثلاً، قد يتناول شخص مصاب بالإنفلونزا عدة علاجات من دون أن يدرك أن كُلاًّ منها يحتوي على باراسيتامول.
كما ينصح الخبراء الأهل بمراقبة جرعات الأطفال بعناية، خصوصاً عندما يتنقلون بين مقدّمي رعاية مختلفين خلال اليوم، مثل الحضانة والأجداد والمنزل.
توصي منظمة الصحة العالمية باستخدام الباراسيتامول كعلاج أولي للألم والحمّى الخفيفة إلى المتوسطة.
وإذا لم يُجدِ نفعاً، يمكن للمريض الانتقال إلى الأفيونات الضعيفة، ثم الأقوى، وصولاً إلى العلاجات التخصصية إذا لزم الأمر.
تختلف فعالية الباراسيتامول حسب نوع الألم.
ويقول معهد كوكران في المملكة المتحدة، الذي يراجع الدراسات العلمية، إنه فعّال في السيطرة على الصداع النصفي الحاد، وكذلك الألم بعد الولادة والجراحة.
لكن فوائده في حالات مثل التهاب مفصل الركبة تعتبر "محدودة".
أما في حالات آلام أسفل الظهر أو الألم الجسدي المرتبط بالسرطان، فيؤكد المعهد أنه لا يُظهر فعالية أكبر من العلاج الوهمي (حبوب لا تحتوي على مكونات فعالة مثل أقراص السكر).
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر