بدأ الجيش الإسرائيلي، صباح الثلاثاء، تنفيذ عملية توغل بري واسعة داخل مدينة غزة، معلناً انطلاق ما وصفها بـ"مرحلة حاسمة" في الحرب الدائرة على القطاع منذ أشهر. يأتي ذلك في ظل غارات جوية ومدفعية "عنيفة" هزت المدينة طوال الليلة الماضية، وسط تزايد التحذيرات الدولية من تفاقم الكارثة الإنسانية، في وقت اتهمت فيه الأمم المتحدة إسرائيل بارتكاب أفعال ترقى إلى "إبادة جماعية".
وأكد الجيش الإسرائيلي أنه يتحرك "تدريجياً" نحو وسط مدينة غزة، مشيراً إلى أن هذه المرحلة تهدف إلى "تفكيك البنية التحتية لحركة حماس وتحرير الرهائن"، بحسب وصفه. وتركزت العمليات على الأحياء الشرقية والجنوبية من المدينة، من بينها الزيتون، الصبرة، الدرج، الشجاعية، إضافة إلى الرمال وتل الهوا والشيخ رضوان.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن "غزة تحترق"، وإن الجيش "يضرب بقوة ولن يتوقف حتى إنجاز المهمة"، محذراً من أن "سقوط غزة يعني سقوط حماس". كما لوّح بتوسيع العمليات إلى مناطق خارج القطاع، داعياً إلى "الإخلاء الفوري" لميناء الحديدة في اليمن.
في المقابل، وصفت حركة حماس هذا التصعيد بـ"فصل جديد من فصول حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي"، وقالت إن الجرائم الإسرائيلية تجري "تحت غطاء سياسي وعسكري مكشوف من الإدارة الأمريكية".
من جهتها، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن المستشفيات تعاني من اكتظاظ شديد ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، محذّرة من انهيار وشيك في القدرة على التعامل مع الإصابات الحرجة. كما أفادت بوجود نقص كبير في وحدات الدم، ما يعطل التدخلات الطبية المنقذة للحياة.
في السياق نفسه، أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) استمرار حركة نزوح جماعي داخل القطاع، مع مغادرة أكثر من 370 ألف شخص لمدينة غزة خلال الأيام الأخيرة، وسط قصف متواصل وانعدام مناطق آمنة. وتشير التقديرات إلى أن نحو 600 ألف فلسطيني لا يزالون محاصرين داخل المدينة.
وحذرت وكالة الأونروا من أن تكديس السكان في مناطق ضيقة جنوب القطاع يُنذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة، مؤكدة أن أكثر من مليون فلسطيني يُدفعون إلى العيش في مساحة لا تتجاوز 35 كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل أكثر من 70 ألف نسمة في الكيلومتر المربع الواحد.
على المستوى الدولي، دانت بريطانيا ما وصفته بـ"التصعيد المتهور والمروع"، وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار. كما طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية بـ"تدخل دولي استثنائي وعاجل" لحماية المدنيين في غزة، محذّرة من أن المدينة باتت تتحوّل إلى "مقبرة جماعية".
في تطور لافت، نشرت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة تقريراً يتهم إسرائيل بارتكاب أربعة من أصل خمسة أفعال تُعد من صميم "الإبادة الجماعية"، وفقاً لاتفاقية 1948. وأشارت اللجنة إلى وجود "أسس معقولة" للاستنتاج بأن إسرائيل نفّذت أفعالاً تشمل القتل والتدمير المتعمّد، التهجير القسري، والتسبب بأضرار جسدية ونفسية جسيمة. واتهم التقرير مسؤولين إسرائيليين كباراً بالتحريض العلني على الإبادة.
وفي الوقت ذاته، تواصلت المساعي السياسية لوقف القتال، حيث زار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الدوحة، وأشاد بجهود قطر في التوسط لوقف الحرب، متعهداً بدعم أمنها، خاصة بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي طالت مسؤولين من حركة حماس على الأراضي القطرية.
أما الدوحة، فقد أعلنت أن مفاوضات الهدنة "لا تبدو واقعية حالياً"، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "يستهدف كل من يتفاوض معه"، مؤكدة في الوقت ذاته تمسكها بالدفاع عن سيادتها الوطنية.
وفي ظل تصاعد العمليات، أفادت تقارير ميدانية باستخدام الجيش الإسرائيلي "ريبوتات مفخخة" لتدمير أحياء سكنية بالكامل داخل المدينة، ضمن استراتيجية التوغل البري التي تعتمد على التدمير عن بعد وتجنب الاشتباك المباشر.
على الأرض، نقلت وسائل إعلام عن سكان في غزة أنهم باتوا يعتبرون "الموت واحداً في كل مكان"، وسط استحالة النزوح بسبب ارتفاع التكاليف وانعدام وسائل النقل والملاجئ. وقال أحدهم: "نحن مليونان نعيش في بقعة لا تكفي لمئة ألف.. لا مكان نذهب إليه ولا سبيل للنجاة".
كل ذلك يجري بينما تتزايد الدعوات الدولية لوقف فوري للقتال، وسط عجز واضح من المؤسسات الدولية عن فرض هدنة، وفشل المساعي الدبلوماسية في تحقيق أي تقدم ملموس حتى الآن.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر