أعلنت قوات الدعم السريع السودانية سيطرتها على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في خطوة اعتبرت تحولاً جوهرياً في مسار الصراع في الإقليم. ومع انسحاب الجيش السوداني من المدينة، أصبحت جميع ولايات دارفور الخمس تحت نفوذ قوات الدعم السريع شبه العسكرية، مما يغير موازين القوى على الأرض بشكل جذري.
وجاء الإعلان عن السيطرة من خلال بيان رسمي وصور أظهرت انتشار مقاتلي الدعم السريع داخل المدينة وفي مقر الفرقة السادسة مشاة. وقال رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إن انسحاب الجيش من الفاشر جاء "حرصاً على حياة المواطنين وتجنيب المدينة مزيداً من الدمار"، في خطوة تعكس الحرص على تقليل الخسائر البشرية والمدنية.
وأكد محمد آدم عبد اللطيف، مسؤول الإعلام في غرفة طوارئ معسكر أبو شوك للنازحين، أن الاتصال انقطع مع طاقم غرفة الطوارئ في الفاشر، مشيراً إلى مقتل ستة من أعضائها واحتجاز بعضهم كرهائن لدى قوات الدعم السريع. وأضاف أن المدنيين الذين تمكنوا من الفرار ووصلوا إلى مدينة طويلة يمثلون جزءاً صغيراً من أعداد الفارين، في حين يواجه آخرون مخاطر كبيرة أثناء محاولتهم الفرار، خصوصاً من الجهة الغربية حيث تتمركز قوات الدعم السريع وتحتجز عدداً من الرهائن.
تشكل الفاشر مركزاً استراتيجياً لولايات كردفان الشمالية ونهر النيل، وهي تربط السودان بشريط حدودي واسع يمتد إلى تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان. ويعني سقوطها عملياً أن الدعم السريع أصبح مسيطراً على الشريط الغربي بأكمله من دارفور إلى كردفان، ما يمنحه قدرة كبيرة على التحكم في خطوط الدفاع الغربية للسودان.
السيطرة على الفاشر تمنح الدعم السريع موقعاً تفاوضياً قوياً، إذ يشكل الإقليم بوابة السودان نحو أربع دول أفريقية ويرتبط بامتدادات قبلية واقتصادية واسعة. ويتوقع مراقبون أن تؤدي السيطرة إلى تصعيد في الهجمات الجوية بين الطرفين، خصوصاً مع اعتماد الجيش على الطائرات المسيّرة لمحاولة استعادة بعض المواقع.
من الناحية الاقتصادية، يُعد الإقليم غنياً بالموارد الطبيعية، ويضم نسبة كبيرة من الثروة الحيوانية والمعدنية، خصوصاً الذهب الذي تنتشر مناجمه في شمال دارفور بمنطقة جبل عامر القريبة من الفاشر، إضافة إلى منطقة الردوم في جنوب دارفور قرب نيالا. وقد شكّلت هذه الموارد سبباً رئيسياً للتنافس المسلح في الإقليم، مما يزيد من أهمية السيطرة على الفاشر والمناطق المحيطة بها.
من الجانب السياسي والعسكري، قد يؤدي سقوط الفاشر إلى تراجع النفوذ الجغرافي لحركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، مما يهدد استمرار تأثيرهما السياسي والعسكري في الإقليم، رغم كونهما من القوى التي وقعت اتفاق جوبا للسلام عام 2020.
إقليم دارفور يشهد صراعاً مستمراً منذ بداية الألفية الحالية، حيث تصاعدت التوترات بين الحكومة السودانية ومجموعات مسلحة قبلية تطالب بالمزيد من المشاركة السياسية والتنمية العادلة. شهد الإقليم موجات متكررة من العنف بين القوات الحكومية والميليشيات المحلية، بالإضافة إلى تدخلات القوات شبه العسكرية مثل الدعم السريع. النزاع في دارفور أدى إلى نزوح ملايين المدنيين داخلياً وخارج البلاد، وتدمير البنية التحتية، وخلق أزمة إنسانية حادة. كما ساهمت المنافسة على الموارد الطبيعية، خاصة الذهب والثروة الحيوانية، في تعميق الصراع وإطالة أمده.
ويعتبر مراقبون أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر نقطة تحول حاسمة في الحرب الممتدة منذ أبريل 2023، إذ تمنحها السيطرة على معظم غرب السودان عمقاً جغرافياً واستراتيجياً واسعاً، وقد تؤدي إلى إعادة رسم خريطة الصراع وربما موازين التفاوض. وفي الوقت نفسه، يثير هذا التحول مخاوف من امتداد المعارك نحو ولايات كردفان ودارفور الكبرى، حيث تتشابك الولاءات القبلية والمصالح الاقتصادية.
وبينما يترقب السودانيون ما سيلي هذا التحول، يبقى السؤال الأكبر: هل تكون الفاشر بداية نهاية الحرب، أم بداية فصل أكثر قسوة منها، في ظل واقع جديد غير واضح المعالم.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
تواصل الدعوات الدولية المطالبة بوقف القتال في مدينة الفاشر السودانية وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية
البرهان يقر بانسحاب الجيش من مدينة الفاشر بعد معارك طويلة مع قوات الدعم السريع
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر