بدأ الجيش الإسرائيلي فجر الثلاثاء مرحلة عسكرية جديدة اعتبرها "حاسمة" في إطار عملياته المتواصلة في قطاع غزة، متوغلاً نحو وسط مدينة غزة تحت غطاء من القصف الجوي والمدفعي المكثف، فيما اتهمت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة إسرائيل بارتكاب أفعال ترقى إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية بحق السكان الفلسطينيين في القطاع.
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوله إن "إسرائيل بدأت تنفيذ عملية قوية في غزة تمهيداً للدخول في المرحلة الأساسية من الحرب"، مؤكداً أن العمليات ستتواصل حتى تحقيق "جميع أهدافها". وفي السياق ذاته، أعلن مسؤول عسكري إسرائيلي أن قوات الجيش تتقدم ميدانياً باتجاه قلب مدينة غزة، موضحاً أن التقديرات تشير إلى وجود ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مقاتل تابعين لحركة حماس داخل المدينة.
وأضاف المصدر العسكري أن الجيش انتقل مساء الإثنين إلى "المرحلة الأساسية من خطة السيطرة على المدينة"، مؤكداً أن "قيادة المنطقة الجنوبية وسّعت نطاق العملية البرية في المعقل الأهم لحماس داخل القطاع، وهو مدينة غزة".
منذ ساعات الفجر الأولى، أفاد شهود عيان بتعرض المدينة لقصف عنيف ومتواصل، أوقع عشرات الضحايا والجرحى، في وقت كثف فيه الجيش الإسرائيلي ضرباته على ما يصفه بـ"البنى التحتية للإرهاب"، بهدف تقويض قدرات حركة حماس وإطلاق سراح الرهائن، بحسب ما جاء في تغريدة لوزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي قال إن "مدينة غزة تحترق"، مشيراً إلى أن الجيش "يقاتل بشجاعة" ولن يتراجع حتى "هزيمة حماس".
ويأتي هذا التصعيد بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى المنطقة، حيث حذّر من أن حركة حماس أمامها "مهلة قصيرة جداً" للموافقة على اتفاق لوقف إطلاق النار، قبل أن يتوجه إلى العاصمة القطرية الدوحة لحثّ القيادة القطرية على مواصلة دورها في الوساطة، خاصة بعد التوتر الأخير الذي أعقب استهداف إسرائيلي لمسؤولين في الحركة داخل قطر.
وفي غضون ذلك، أعلنت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة والمكلفة بمتابعة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، أن لديها "أسساً معقولة" للاستنتاج بأن إسرائيل ارتكبت أربعة من أصل خمسة أفعال تُشكل جريمة إبادة جماعية وفق اتفاقية عام 1948. وأكدت اللجنة أن الأدلة التي جمعتها على مدى عامين، تشير إلى ارتكاب الجيش الإسرائيلي أعمالاً تشمل: قتل المدنيين، وإلحاق أذى بدني ونفسي جسيم، وفرض ظروف معيشية مدمرة، ومنع الولادات ضمن الجماعة المستهدفة، وهو ما يندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية.
واستند تقرير اللجنة إلى تصريحات عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين، من بينهم الرئيس إسحاق هرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، معتبرة أن تلك التصريحات "تحمل تحريضاً مباشراً على الإبادة"، فيما رأت أن النمط العام للعمليات العسكرية في غزة يعكس "نية متعمدة لتدمير الجماعة الفلسطينية جزئياً أو كلياً".
رئيسة اللجنة، نافي بيلاي، قالت في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن استخدام نتنياهو لتوصيفات من قبيل "المدينة الشريرة" و"الانتقام العظيم" يُظهر استهدافاً مباشراً للمدنيين، مؤكدة أن التقرير يستند إلى وقائع موثقة وشهادات وتحقيقات ميدانية، وليس إلى "ادعاءات سياسية". وأوضحت أن اللجنة تعتبر أفعال القادة الإسرائيليين منسوبة إلى الدولة نفسها، ما يجعل إسرائيل مسؤولة قانونياً عن ارتكاب الإبادة، وكذلك عن الفشل في منعها أو معاقبة مرتكبيها.
وزارة الخارجية الإسرائيلية من جهتها، رفضت التقرير بشكل قاطع، واصفة إياه بـ"المنحاز والمشوَّه"، واتهمت أعضاء اللجنة بأنهم "وكلاء لحماس" و"يعتمدون على روايات كاذبة سبق تفنيدها".
في الميدان، أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) بأن القصف الإسرائيلي المتواصل أدى إلى مقتل 39 فلسطينياً صباح الثلاثاء، بينهم ثمانية مدنيين قُتلوا أثناء تواجدهم في نقاط توزيع مساعدات جنوب وادي غزة، إضافة إلى عشرات الجرحى. وكان قصف سابق الإثنين قد أودى بحياة 49 شخصاً، معظمهم في مدينة غزة، التي تشهد تصعيداً متواصلاً في ظل سعي الجيش الإسرائيلي لإحكام السيطرة عليها.
وقال شهود عيان إن القصف استهدف أحياءً مكتظة بالسكان، وإن عدداً من المنازل دمّرت بشكل كامل وهي مأهولة، فيما أكدت مصادر من الدفاع المدني وجود عشرات الضحايا تحت الأنقاض.
من جهة أخرى، أعلنت مصادر أمنية أن عدد من غادروا القطاع منذ بدء العملية البرية الإسرائيلية تخطى 370 ألف شخص، في ظل تصاعد حدة المعارك وسوء الأوضاع الإنسانية، التي زادت تعقيداً مع التحذيرات من "موجة فيروسات" غامضة في غزة، بحسب تصريحات سابقة لمنظمة الصحة العالمية.
في سياق دبلوماسي موازٍ، التقى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في الدوحة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ضمن زيارة مفاجئة تهدف إلى إعادة تفعيل الوساطة القطرية، عقب الانتقادات الأمريكية النادرة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إسرائيل، إثر الغارة التي استهدفت أراضي قطر الأسبوع الماضي.
وأكد ترامب للصحفيين أن "إسرائيل لن تهاجم قطر مجدداً"، فيما قال روبيو إن قطر هي الدولة الوحيدة القادرة على الوساطة الفعالة في الأزمة، داعياً الدوحة إلى مواصلة جهودها، رغم الغضب القطري الرسمي من الحادثة.
وفي ختام قمة عربية – إسلامية طارئة في الدوحة، دعا المشاركون إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، مطالبين المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات قانونية فورية لمنع استمرار العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين
قد يهمك أيضــــــــــــــا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر