اعترضت القوات البحرية الإسرائيلية أكثر من 40 سفينة وقاربًا من "أسطول الصمود العالمي" الذي أبحر باتجاه قطاع غزة في محاولة لكسر الحصار البحري المفروض على القطاع، وسط تصاعد في التوترات الإقليمية والدولية. وقالت السلطات الإسرائيلية إن العملية نُفذت "بسلام" وإن الركّاب يتم نقلهم إلى إسرائيل تمهيدًا لترحيلهم إلى بلدانهم، فيما اعتبرت حركة حماس ما حدث "جريمة قرصنة وإرهاب بحري"، ودعت إلى تحرك دولي عاجل.
الأسطول، الذي يتكون من 44 سفينة وقاربًا صغيرًا، انطلق من عدة موانئ في أوروبا وشمال إفريقيا، بما في ذلك إسبانيا، إيطاليا، اليونان وتونس، حاملاً على متنه أكثر من 470 مشاركًا من أكثر من 30 دولة، بينهم نشطاء في مجال حقوق الإنسان، سياسيون، أطباء، صحفيون، ومناصرون للقضية الفلسطينية، من بينهم الناشطة البيئية السويدية "غريتا تونبرغ"، ونواب برلمانيون من البرازيل ودول أخرى.
أبرز السفن المشاركة تحمل أسماء رمزية مثل: "عهد التميمي، شيرين أبو عاقلة، دير ياسين، ميكينو، محمد بهار، كارما، كابتن نيكوس، بافلوس فيساس"، وغيرها، وهو ما أثار انتقادات إسرائيلية واسعة، حيث وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسطول بأنه "أسطول حماس - صمود"، وقالت إنه "ينتهك حصارًا قانونيًا تفرضه إسرائيل ومصر لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة".
وأضافت الخارجية الإسرائيلية أن البحرية وجهت تحذيرات إلى السفن المشاركة ودعتهم إلى تغيير مسارهم لتفادي دخول منطقة عمليات قتالية نشطة، على حد وصفها، مضيفة أن "القوات تعاملت مع المشاركين دون استخدام القوة المفرطة". وتم نقل السفن التي تم اعتراضها إلى ميناء أسدود جنوب إسرائيل، حيث يتم احتجاز الركاب مؤقتًا، ثم يُشرع في إجراءات الترحيل، بعد التحقيق معهم.
وفي المقابل، أدانت حركة حماس بشدة عملية الاعتراض، معتبرة أنها "قرصنة بحرية" و"عمل عدواني غادر يُضاف إلى سجل إسرائيل الأسود"، وقالت إن استهداف الأسطول الذي يحمل مساعدات مدنية هو "إرهاب منظم ضد المدنيين"، وحذّرت من أن ذلك "سيزيد من غضب شعوب العالم" تجاه الممارسات الإسرائيلية في غزة.
منظمو الأسطول، ومن ضمنهم ائتلاف "أسطول الحرية"، و"أسطول الصمود المغاربي"، و"صمود نوسانتارا" (الذي تشرف عليه منظمات من ماليزيا وتسع دول آسيوية)، قالوا إن الأسطول يمثل مبادرة مدنية سلمية تهدف إلى فتح ممر إنساني إلى غزة، مؤكدين أن القوارب تبحر في المياه الدولية وتتحرك وفقًا لقانون البحار الدولي. وأضافوا أن عدداً من السفن تعرضت لاعتداء مباشر، حيث أُبلغ عن دهس متعمّد لإحدى القوارب، واستخدام مدافع مياه ضد المشاركين، ما أدى إلى إصابات خفيفة لدى بعض النشطاء.
وقد تمكنت السفينة الفرنسية "ميكينو" من دخول المياه الإقليمية لقطاع غزة، لتكون بذلك أول سفينة تصل فعليًا إلى مشارف الساحل، بينما تواصل أكثر من 20 سفينة أخرى الإبحار رغم الاعتراضات، بحسب بيانات مباشرة من موقع "Flotilla Tracker".
ردود الفعل الدولية لم تتأخر. فقد أدانت تركيا العملية ووصفتها بأنها "عمل إرهابي ضد متضامنين سلميين". كما أدانت البرازيل ما وصفته بـ"الانتهاك الصارخ للقانون الدولي"، وأكدت وزارة خارجيتها أن 15 من مواطنيها كانوا على متن الأسطول، بينهم النائبة لويزيان لينس، مطالبة إسرائيل بضمان سلامتهم والإفراج عنهم فوراً.
أما كولومبيا، فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث أعلن الرئيس غوستافو بيترو طرد ما تبقى من أفراد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية من البلاد، وإلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل. وقال إن إسرائيل "ارتكبت جريمة دولية" باعتراضها مواطنتين كولومبيتين في المياه الدولية، مطالباً بإطلاق سراحهما فورًا.
من جهتها، الخارجية الفلسطينية أدانت بشدة اعتراض الأسطول، وقالت إنه يشكل "انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي واتفاقية قانون البحار"، محمّلة إسرائيل المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة المشاركين. كما دعت المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لحماية المتضامنين والسماح بإدخال المساعدات إلى غزة.
وفي تطور آخر، أعلنت أكبر نقابة عمالية في إيطاليا عن تنظيم إضراب عام يوم الجمعة المقبل، احتجاجًا على اعتراض الأسطول ودعمًا لحقوق الفلسطينيين، فيما استدعت إسبانيا القائمة بالأعمال الإسرائيلية في مدريد لتوضيح ملابسات الحادثة.
منظمات حقوقية، بينها مركز "عدالة" في حيفا، اعتبرت العملية "اختطافًا لمدنيين سلميين في المياه الدولية"، وقالت إن على إسرائيل احترام القانون الدولي والكف عن "الاعتداء على المبادرات الإنسانية"، مطالبة بالإفراج الفوري عن المحتجزين والسماح بإيصال المساعدات إلى غزة.
يُذكر أن "أسطول الصمود العالمي" يُعد المحاولة الثامنة والثلاثين لكسر الحصار البحري عن قطاع غزة منذ عام 2008، أبرزها كان أسطول "مرمرة" عام 2010 الذي شهد عملية اقتحام دموية من البحرية الإسرائيلية أدت إلى مقتل عشرة ناشطين أتراك.
ويأتي هذا الأسطول في وقت تمر فيه غزة بأزمة إنسانية خانقة نتيجة استمرار الحرب منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي اندلعت بعد الهجوم الذي نفذته حركة حماس على جنوب إسرائيل. ويعيش القطاع تحت حصار مشدد منذ نحو 17 عامًا، وسط تحذيرات دولية من تفاقم المجاعة والأوضاع الصحية والبيئية.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر