نيودلهي - المغرب اليوم
يشهد جنوب آسيا توتراً متصاعداً جديداً بين الهند وباكستان، في أعقاب سلسلة من الضربات الجوية المتبادلة التي فتحت الباب أمام مخاوف من انزلاق الوضع إلى مواجهة أوسع بين الجارتين النوويتين. فالهجوم المسلح في كشمير الذي أودى بحياة العشرات كان الشرارة، لكن الرد الهندي "الدقيق" وما تبعه من قصف باكستاني وادعاء إسقاط طائرات، يؤشر إلى رسائل ردع متبادلة تتجاوز مجرد رد الفعل المباشر، وتطرح تساؤلات حول أهداف كل طرف، ومآلات التصعيد في ظل صمت دولي حذر ودعوات أممية لضبط النفس.
و أعلنت إسلام آباد ارتفاع عدد قتلى القصف الصاروخي الهندي إلى 26، فيما أكدت نيودلهي تنفيذ "ضربات دقيقة" استهدفت ما وصفتها بـ"بنى تحتية إرهابية" داخل الأراضي الباكستانية.
ورداً على ذلك، أعلن الجيش الهندي مقتل ثمانية مدنيين في قصف باكستاني، بينما توعد الجيش الباكستاني برد واسع على الضربات التي قال إنها طالت ثلاث مناطق داخل باكستان، مشيراً إلى استهداف مدينتين في شطر كشمير الخاضع لسيطرة إسلام أباد ومدينة ثالثة في إقليم البنجاب المتاخم للهند.
وأضاف المتحدث باسم الجيش الباكستاني: "جميع طائرات سلاحنا الجوي في الجو. هذا هجوم مخزٍ وجبان نُفّذ من داخل المجال الجوي الهندي".
في تصريحات إعلامية، أعرب وزير الإعلام الباكستاني، عطاء الله تارار، عن استنكار باكستان للضربات الهندية، قائلاً: "لقد تجاوزوا حدودنا." وأكد أن باكستان سترد بشكل متبادل على الهجوم الهندي، كما كرر ما ذكره المتحدث العسكري حول الضربات الانتقامية.
ووصف الوزير الهجوم الهندي بأنه "عدوان غير مبرر تماماً"، مضيفًا: "سنرد بالتأكيد... استجابتنا ستكون على الأرض وفي السماء".
وأكد المتحدث العسكري الباكستاني، أحمد شريف، في تصريحات إعلامية، أن الجيش الباكستاني أسقط على الأقل طائرتين هنديتين وطائرة بدون طيار. وأوضح شريف أن القوات الباكستانية موجودة على الأرض، لكنه امتنع عن تحديد مكان تمركزها.
وأشار شريف إلى أن باكستان تحتفظ بحقها في الدفاع عن نفسها، مؤكدًا أن عملية الدفاع جارية حالياً على الأرض. وفي وقت لاحق، نقلت وكالة رويترز للأنباء عن وزير الدفاع الباكستاني تأكيده إسقاط الطائرات الهندية، بينما لم يصدر أي تعليق رسمي من الهند حول هذا الادعاء.
وأعلنت إسلام أباد أنّ لجنة الأمن القومي الباكستانية، الهيئة المؤلفة من كبار المسؤولين المدنيّين والعسكريين والتي لا تلتئم إلا في الظروف الاستثنائية، ستجتمع الأربعاء في الساعة (05:00) بتوقيت غرينتش في خضمّ التصعيد العسكري مع الهند.
من جانبه، أكد وزير الدفاع الباكستاني، خواجة آصف، أن الضربات الهندية استهدفت "مناطق مدنية وليست معسكرات إرهابية" كما تدّعي نيودلهي.
وقال آصف، في مقابلة مع قناة (جيو) التلفزيونية الباكستانية، إن "الهند انتهكت المجال الجوي الباكستاني وأطلقت صواريخ باتجاه مناطق مأهولة بالسكان، والادعاء بأنها كانت تستهدف معسكرات إرهابية لا أساس له من الصحة".
وعلّق الجيش الهندي في منشور على منصة إكس: "تم تحقيق العدالة"، أرفقه بصورة تحمل اسم "عملية سيندور".
وأعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أمله في أن يتوقف القتال بين الهند وباكستان "سريعاً جداً"، في تعليق على التوترات المتصاعدة بين الجارتين النوويتين في جنوب آسيا.
وقال ترامب للصحافيين في المكتب البيضوي "إنه لأمر مؤسف. كما تعلمون، لقد كانوا يتقاتلون لعقود وقرون عديدة. في الواقع، إذا ما فكّرتم في الأمر حقاً، آمل فحسب أن يتوقف هذا الأمر سريعاً جداً"، مشدّداً على أنّه علم لتوّه بنبأ اشتعال القتال بين البلدين.
هذا وأبلغ مستشار الأمن القومي الهندي، أجيت دوفال، وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، بالضربات التي شنّتها بلاده ضدّ جارتها باكستان، بعد حصولها، وفق ما أعلنت السفارة الهندية في واشنطن الثلاثاء.
وقالت السفارة في بيان إن "أفعال الهند كانت مركّزة ودقيقة"، مضيفة أن روبيو الذي يشغل حالياً منصب القائم بأعمال مستشار الأمن القومي الأمريكي، أُطلع على "الإجراءات المتخذة".
في السياق، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء أن "العالم لا يمكنه تحمّل مواجهة عسكرية" بين الهند وباكستان.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان إن غوتيريش يبدي "قلقه البالغ" إزاء التصعيد الراهن و"يدعو كلا البلدين إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس العسكري".
وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن هناك تقارير عن قصف مكثف وانفجارات مدوية في المناطق الحدودية لولاية كشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية.
وأعلنت السلطات الباكستانية إغلاق مناطق من الأجواء فوق المدن الكبرى مثل لاهور وكاراتشي حتى الساعة (19:20) بتوقيت غرينيتش، وذلك على خلفية الهجمات التي وقعت الليلة الماضية. يشمل الإغلاق عدة مطارات رئيسية، بما في ذلك مطار إسلام آباد الدولي، مما تسبب في تأثيرات كبيرة على حركة الطيران في المنطقة.
كما أعلنت العديد من شركات الطيران الهندية أيضاً عن إلغاء رحلاتها إلى الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير، وبعض المدن في الولايات الحدودية مثل راجستان والبنجاب.
يُذكر أن العلاقات بين الهند وباكستان قد تدهورت بشكل حاد في أعقاب هجوم مسلح مميت على سياح في كشمير شهر أبريل/ نيسان الماضي. وتتهم الهند باكستان بدعم الإرهاب عبر الحدود، وهو ما تنفيه إسلام آباد نفياً قاطعاً.
سُمعت انفجارات ضخمة في وقت سابق أمس الثلاثاء في مدينة مظفر آباد، في الشطر الباكستاني من كشمير، مما تسبب في حالة من الذعر والفوضى بين السكان المحليين. ووفقاً لشهادات بعض السكان الذين تحدثوا إلى بي بي سي، فقد عاشوا لحظات عصيبة إثر الهجوم.
وقال محمد وحيد، أحد سكان المنطقة المجاورة لمسجد بلال الذي ورد أنه كان من بين المواقع التي قُصفت، "كنت نائماً عندما هز الانفجار الأول منزلي. هرعت إلى الشوارع، فرأيت آخرين يفعلون الشيء نفسه. قبل أن نتمكن من استيعاب ما يحدث، سقطت المزيد من الصواريخ، مما زاد من حالة الفوضى".
وأضاف وحيد أن العشرات من الأشخاص أُصيبوا في الهجوم ونُقلوا إلى مستشفى يبعد حوالي 25 كيلومتراً. وأشار إلى أن الأطفال كانوا يبكون، والنساء يركضن في كل مكان بحثاً عن الأمان، فيما كانت حالة من الرعب تسيطر على الجميع. وأكد أن الناس كانوا يفرون من منازلهم، وأن مشاعر الريبة كانت تغمر الجميع بسبب ما حدث.
وحيد، الذي أكد أن قوات الأمن كانت موجودة في مكان الحادث، أعرب عن استغرابه من استهداف المسجد، قائلاً: "كان مسجداً عادياً في الشارع نصلي فيه خمس مرات يومياً، ولم نرَ أي نشاط مشبوه حوله".
وتستمر السلطات بالتحقيق في ملابسات الهجوم، في حين يظل الوضع متوتراً في المنطقة.
جاءت الضربات الجوية التي نفذتها الهند رداً على هجوم مسلح دموي وقع في 22 أبريل/نيسان الماضي في بلدة باهالغام السياحية، الواقعة في الجزء الذي تديره الهند من إقليم كشمير. وأسفر الهجوم عن مقتل ما لا يقل عن 26 شخصاً، معظمهم من السيّاح.
وبحسب السلطات الهندية، فتح مسلحون النار على مجموعة من الزوار أثناء تواجدهم في منطقة بايساران، وهي مرج جبلي يقع على بُعد نحو خمسة كيلومترات من باهالغام. وقال بعض الناجين إن المسلحين "استهدفوا رجالًا من أتباع الديانة الهندوسية بشكل خاص".
في حين نفت باكستان أي علاقة لها بالهجوم، أكدت الشرطة الهندية أن اثنين من المشتبه بهم الأربعة في تنفيذ العملية يحملون الجنسية الباكستانية. ولا تزال قوات الأمن الهندية تواصل عمليات مطاردة المسلحين.
التصعيد لم يقتصر على الضربات الجوية، فقد أعلنت كل من الهند وباكستان عن سلسلة من الإجراءات الانتقامية، شملت إغلاق بعض المعابر الحدودية وتعليق اتفاق لتقاسم مياه الأنهار. كما تبادل الجنود على الجانبين إطلاق نار بالأسلحة الخفيفة في عدة نقاط حدودية.
وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد تعهّد في وقت سابق بملاحقة منفّذي الهجوم "حتى أقاصي الأرض".
قد يهمك ايضـــًا :


أرسل تعليقك
تعليقك كزائر