أفّ  مِش مُمكِنْ
آخر تحديث GMT 04:50:30
المغرب اليوم -
أخر الأخبار

"أفّ .. مِش مُمكِنْ !!"

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

بقلم: حازم محمد

جلس متكئاً على مقعده المجاور للممر الذي يتوسط القطار .. إحدى قدميه تكاد أن تتعلق في  الهواء من شدة ارتفاعها فوق القدم الأخرى .. وكذلك الحال بالنسبة لحاجبه الأيمن الذي استقر في وضع لا يسمح له بالنزول لمستوى حاجبه الأيسر، وكأن كل ما فيه يرفض كل ما فيه .. الأنفاس تتصاعد وصدره يعلو ويهبط بشكل ينم عن كم من السخط الذي لا ينتهي كلما اصطدم به أحد الباعة، الذين يجوبون القطارات ببضاعتهم ، أو كلما امتدت له أيدي من تلك الأيادي الممتدة في نواحي القطار طالبة ما يسد مزاجها فضلا عما يسد حاجتها .. تحولت أنفاسه المتصاعدة إلى همهمة، وكلمات متداخلة لم أكد أتبين منها سوى بعض الكلمات المتناثرة، والتي لم تقو على الاختباء طويلا وسط حمم الألفاظ المتعاقبة التي يغلب الظن أنها ليست سوى مجموعة منتقاة من أبشع الشتائم التي تتقاذف على ألسنة العوام .. - أف مش ممكن !!! كررها بصوت متصاعد يسمح لي وللجالسين حوله بتبينها جيداً .. لم يتوقف الأمر كثيراً على موقفه من الباعة والشحاذين بل امتد الحال إلى نظرات متفرقة في وجوه الجالسين، مليئة بقدر ليس بالهين من الاشمئزاز، و بشكل يبعث الريبة في النفوس لدرجة جعلت أحد الركاب يتحسس على وجهه، لعل شيئا غير طيب قد أصابه أثناء نومه. تكررت تلك الهمهمات التي لا تنتهي .. وتعالى صوته الناقم على كل شيئ - أفففففف مش مممممممكن !!! لدرجة أصابت جميع المحيطين به بحالة من الإستياء الشديد والرغبة فى الإشتباك مع هذا الكائن المتأفف .. وفى وسط هذه الحالة الملتهبة وقبل أن يصل الوضع إلى حالة الانفجار تصاعد صوت قادم من مؤخرة العربة : - تذااااكر .. تذاااااااكر ... تذكرتك يا باشا ... تذكرتك يا بيه .. انشغل الجميع بالبحث عن تذاكرهم استعداداً لعرضها على الكمساري وفى وسط هذه الأجواء اختلستُ بعض النظرات إليه لأجد حالة من النوم المفاجئ قد أصابته، وبشكل لا يتناسب مع شخص كان يملأ القطار همهمة وضجيجاً منذ لحظات .. اقترب الكمسارى شيئا فشيئا، حتى أصبح بمحاذاته، وصاح بصوت عالٍ : - إصحى يا بيه التذكرة لو سمحت وكأنه لم يسمع شيئاً وكأن غيبوبة قد أصابته فجأة، ورغم شكله المنهك وتقاسيمه التي يظن الناظر إليها لأول وهلة إنها في حالة نوم عميق إلا أن كل ذلك لم يشفع له عند الكمساري الذي أخذ في وخذه بأطراف أصابعه، حتى فتّح عينيه بشكل متكاسل وكأنه يغط في نومه منذ يوم كامل وأخذ يتطلع في وجه الكمساري بشكل ملئ بالسخط وصاح بصوت عالٍ للغاية أصاب الكمساري بالارتباك .. - أفففففففف مش مممممممكن !!!  رد عليه الكمساري مسترضياً : - معلهش يا بيه اعمل أيه دى شغلتى .. ثم باغته سائلاً : - فين تذكرتك بقى عشان أشوف باقى الركاب .. قبل أن ينتهي الكمساري من كلمته أخذت يده في الارتعاش وصوته في الانخفاض وأشار للكمساري، حتى يقترب منه ومال على أذنيه هامسا : - لو سمحت أنا حصلت معايا شوية مشاكل وممعييش فلوس قالها وعلى وجهه ابتسامة منكسرة تبعث الشفقة في النفوس رغم ما كان عليه من لحظات، إلا إن تلك الكلمات قد أصابت الكمساري بنشوة عارمة، وكأنه وجد فيها متنفساً عما لاقاه من إهانات على أيدي الركاب في ذلك اليوم الخانق، ورد عليه بطريقة مليئة بالتشفي. - لما إنتو ممعاكوش بتركبوا ليه؟ وفالح تبصلي من تحت لفوق وأنا بكلمك.. إتررزع مكانك لحد متوصل المحطة بتاعتك .. ناس معندهاش دم بصحيح ثم انصرف ليكمل عمله في اصطياد الركاب المتهربين من دفع التذاكر، دون حتى أن يصر على طلب حق الأجرة، ويبدو أن نفسه قد طابت بتحصيل ذلك القدر المهدر من كرامته أمام الجميع، بديلاً عن حق الأجرة .. وقبل أن يبتعد كثيراً يبدو أنه أبى إلا أن يفرغ ما تبقى بداخله من حنق على وجوده في ذلك المكان المختنق، وفى هذا الجو الملتهب من شدة الحرارة، وأدار وجهه إليه قائلاً بلهجة مليئة بالاذدراء: - نزل رجلك دي واقعد زى باقي البنى آدمين اللى في القطر بلا قرف إنت مش قاعد فى بيت أبوك هنا كفايا إني سبتك قاعد ومرمتكش من القطر .. ثم انطلق بعدها بعيداً بهامة مرتفعة وبخطوات متمايلة وبزهو المنتصر فيمعركة دامية..وصاح بنشوة عارمة وبصوت متغنى: - تذااااااااااااااااااااكر .. تذاكر كل هذا الكم من التوبيخ وهو واجم ينظر إلى الكمساري بوجه تائه وانفعالات متباينة لا معنى لها .. وما إن غاب الكمساري في وسط تلك الكتل البشرية المتلاحمة في الممر الذي يتوسط القطار حتى عاد لِما كان عليه وكأن شيئا لم يكن.. ثم اتكأ إلى الوراء وبوضع يفوق ما كان عليه سابقا، وأعاد تعليق قدمه اليمنى فوق قدمه اليسرى وكأنه يضعها في وجوه الجالسين حوله، ثم أخذ نفساً عميقا أعقبه بزفرة خرجت معها كلماته المفضلة وهو ينظر إلي تلك العيون المتطلعة إليه بإستغراب شديد، وبصوت منطلق من اعماقه صاح : - أفففففففففففففف مش مممممممممممكن -

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفّ  مِش مُمكِنْ أفّ  مِش مُمكِنْ



GMT 14:01 2025 السبت ,26 تموز / يوليو

زياد الرحباني نغمة معترضة على سلّم النظام

GMT 07:04 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

يقولون : في الليل تنمو بذرة النسيان..

GMT 09:26 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

أزمة الصمت

GMT 09:23 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

لا ترجعي...! :

GMT 13:16 2023 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

القلب الممتلىء بالوجع

GMT 08:05 2023 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لم يعد مهمّاً بعد اليوم أن يحبّنا أحد

GMT 11:49 2023 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

فلسطين والقدس الأبية

نجمات عالميات يتألقن في عرض Balmain خلال أسبوع باريس للموضة

باريس - المغرب اليوم

GMT 02:00 2025 الإثنين ,06 تشرين الأول / أكتوبر

كيم كارداشيان ومشدات الخصر بين الموضة والجدل الصحي
المغرب اليوم - كيم كارداشيان ومشدات الخصر بين الموضة والجدل الصحي

GMT 07:49 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

10 وجهات سياحية أوروبية ساحرة لاكتشافها في فصل الخريف 2025
المغرب اليوم - 10 وجهات سياحية أوروبية ساحرة لاكتشافها في فصل الخريف 2025

GMT 02:41 2025 الإثنين ,06 تشرين الأول / أكتوبر

اختفاء لوحة أثرية مصرية نادرة والنيابة العامة تفتح تحقيقًا
المغرب اليوم - اختفاء لوحة أثرية مصرية نادرة والنيابة العامة تفتح تحقيقًا

GMT 05:44 2017 السبت ,11 آذار/ مارس

الكاتب في مواجهة الناقد

GMT 11:00 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانية سيرين عبد النور تعيد شريط نجاحاتها العربية

GMT 17:19 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

"أم بي سي بوليوود" تعرض الفيلم الجماهيري الناجح "Dilwale"

GMT 06:09 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

جي مارتن تصمّم منزلها في إيطاليا بألوان رائعة

GMT 10:34 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء يؤكّدون أنّ ثعلب الماء امتلك قديمًا لدغة قوية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib