دبي ـ المغرب اليوم
إلى أي مدى تتماهى شخصية الكاتبة الروائية مع شخصية البطلة في عملها الإبداعي؟ هو سؤال متشابك لأن الإجابة عنه، تنزاح نحو آلية نقل الأفكار والقناعات والمبادئ والتوجهات التي تهجس بها الكاتبة، وتقاطع ذلك كله مع شخصية البطلة وتحولاتها ضمن الحوار وحبكة الشخصيات .
الإشكالية في مثل هذا الطرح تنطوي على كثير من التكهن، لجهة تحولات الشخصية إيجاباً أو سلباً، وهو الأمر الذي يحيل القارئ إلى توقعات واستفهامات، قد لا تكون بالضرورة متناغمة مع شخصية الكاتبة التي تشتغل على عملها الأدبي في ضوء رؤيتها للشخصية، وفي ضوء إيمانها بضرورة نقل قناعاتها إلى مادة أدبية قابلة للنقاش، الفصل بين الكاتبة وبطلتها هو أمر دقيق للغاية، ذلك أنه يتعلق بقدرة الكاتبة على الفصل بين ما هو ذاتي، وما هو أدبي .
تعتقد الروائية أسماء الزرعوني أنّ البطلة في أعمالها الأدبية تتماهى نوعاً ما مع شخصيتها ككاتبة، وتضيف أنها كما في روايتها "شارع المحاكم" لم تكن شخصية واحدة، بل كانت أكثر من شخصية، وهذا جعلها تعيش بنوع من الصدق العاطفي والإحساس كل تحولات بطلتها في العمل المشار إليه، وهذا ينطبق على شخصية "سلوى" حيث تشكل "شارع المحاكم" وثيقة اجتماعية ونفسية لواقع الحياة في شارع بالاسم ذاته في الشارقة في ستينات القرن العشرين، سلوى كانت تمثل أحلام البنات وسعيهن للفوز بحياة سعيدة، وأيضاً كما هو حال "موزة" في إذعانها للواقع والزواج بقريبها، والسياق نفسه يتعلق ب"زهرة" التي تخلت عن خطيبها لأسباب اجتماعية .
بدورها أكدت الروائية سارة الجروان، أنه بينما تتكلم الكاتبة بلسان البطلة فهي ليست بالضرورة تنقل قناعاتها ومبادئها، ووجهات نظرها الشخصية، إذ إنها تتصدى لحياة البطلة من وجهة نظر معينة، تود طرحها كإشكالية أو حالة تركز على جوانب سلبية في مجتمعها، وذلك لا ينفي بالطبع قدرة الكاتبة على توجيه دفة خاتمة عملها الأدبي، في ضوء وجهة نظرها الخاصة جداً .
في السياق ذاته تعتقد الجروان أن صوت الكاتبة قد يتعدد في أكثر من بطلة واحدة، في العمل الواحد، أو في أعمال مختلفة، وإن صح ذلك فقد يرى البعض أن هذه الكاتبة مصابة بحالة من التشظي الفكري والإدراكي، لذا يتوجب على القارئ الفطن، كما تؤكد الجروان الإيمان بأن للكاتبة أكثر من صوت، وهو ليس بالضرورة تعبيراً ذاتياً، بقدر ما هو تعبير اجتماعي من خلال تركيبة نصية رصينة، تكشف أمزجة وطباع الشخصيات وميولهم المختلفة والمتناقضة في بعض الأحيان، ما يسمح للكاتبة بتقديم أطروحة فكرية، تسعى إلى تجاوز التناقضات والسلبيات في المجتمع .
من جهة أخرى، ترى الجروان أن الكاتبة غالباً ما تسعى إلى كتم صوتها الداخلي ومشاعرها، كي لا يفضح ذلك الشعور المحصن للكاتبة ذاتها، وكي تتمكن بالتالي ببراعة نصها من الفصل بين الحس الذاتي، والحس الأدبي بمقياس أشبه بشعرة معاوية
وقالت الروائية فتحية النمر: العلاقة بين الروائي وشخصياته علاقة وثيقة وعميقة في الوقت نفسه، وبالنسبة إلي ففي كل أعمالي البالغ عددها خمس روايات ، طبُعَ منها أربع، والخامسة في طريقها للنشر، أنا موجودة بشكل أو بآخر في الشخصيات كلها، وفي الشخصية المحورية بشكل أكثر .
ليس بالضرورة في الملامح الشديدة الخصوصية، التي أحاول أن أنحي منها نفسي ، لكن في الفكر والجوانب العقلية، أي في ما تحمله من هموم وتصورات ورؤى يظهر جلياً في الحوارات، وكذلك في الدوافع والأحلام والمخاوف والرغبات .
كل شخصياتي السابقة تحمل جزءاً مني، لا أقصد بشكل حصري، بمعنى لا وجود لآخرين غيري، لا ليس كذلك، فهناك وجود لأناس أعرفهم وأناس سمعت بهم وأناس تخيلتهم .
هذا الكلام معروف، وكل روائي يقوله، لكن السؤال هو لماذا؟ ثم هل يكون ذلك برغبة من الكاتب أم رغماً عنه؟
أعتقد أن هذا يعطي مصداقية للعمل، ويضفي عليه القيمة والحيوية ، فالذاتية وهي سمة كل العلوم والمعارف الإنسانية يصعب معها الفصل التام بين الذات والموضوع، على خلاف العلوم والمعارف العلمية البحتة .


أرسل تعليقك
تعليقك كزائر